الوقفة العاشرة: الابتلاء من سنن الدعوة

والعبد إذا ابتلي في سبيل دعوته إلى الله فلا بد من الصبر والاحتساب، قدوته في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أوذي أشد الإيذاء في سبيل الدعوة إلى الله، ولم يصده ذلك عن الاستمرار فيها، فكان يصبر ويصابر ويحتسب الأجر عند الله، وفي الطائف لما رده سادة هذا البلد ردا سيئا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى ألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، لم يزد أن قال: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك(1).

وهذا بلال بن رباح رضي الله عنه يخرجه أمية بن خلف ويرميه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد.

وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة، فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: «صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة«.

فالدين الإسلامي إنما وصل إلينا بعد جهود هؤلاء الصحابة والسلف الصالح في سبيل الدعوة وتحملهم الأذى والمشاق والصبر على ذلك.

فليعِ المؤمنون والدعاة خاصة هذا الدرس العظيم، ويوطنوا أنفسهم عليه، ويسألوا الله تعالى الثبات والتحمل، فلا نجاح ولا فلاح بدون المرور بهذه الابتلاءات مما ظاهره خير أو شر، رزقنا الله تعالى الثبات على دينه، والصبر في سبيله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سيرة ابن هشام (1/419-421).



بحث عن بحث