وقفة على أحوال المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل النبوة

مولد النبي صلى الله عليه وسلم:

ولد الرسول صلى الله عليه وسلم بشعب بني هاشم بمكة، صبيحة يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول في عام الفيل. وحادث الفيل من النعم التي امتنَّ الله بها على قريش لما صرف عنهم أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة؛ فأبادهم الله، وردهم بشر خيبة، وكانوا من النصارى وأهل كتاب، ولكن أرغم الله آنافهم، وكان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي صلوات الله وسلامه عليه(1).

الإرهاصات :

سبق مولده صلى الله عليه وسلم حوادث من باب الإرهاص والتوطئة لمبعثه صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما ذكرناه من حادث الفيل، ومن ذلك أيضًا ما قالت أمه آمنة حين تخوفت حليمة السعدية عليه، قالت: أفتخوفت عليه الشيطان؟ قالت: بلى، قالت: كلا! والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لبني لشأنًا، أفلا أخبرك خبره؟ قالت: بلى، قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي به قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به، فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يده بالأرض، رافع رأسه إلى السماء(2).

ومن ذلك أيضًا: ما ذكره الطبري والبيهقي: أن أربع عشرة شرفة سقطت من إيوان كسرى عند مولده صلى الله عليه وسلم، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة.

ومن ذلك: ما ذكره ابن إسحاق عن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال: «والله إني لغلام يفعة(3) ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت؛ إذ سمعت يهوديًّا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك ما لك؟! قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به«(4).

نسب الرسول صلى الله عليه وسلم:

ورسولنا صلى الله عليه وسلم من أزكى القبائل، وأفضل البطون، وأطهر الأصلاب، فما تسلسل شيء من أدران الجاهلية إلى نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ونسبه كما ذكر البخاري رحمه الله: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ(5). وفي صحيح مسلم عن وَاثِلَةَ بْن الأَسْقَعِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ«(6).

نشأته صلى الله عليه وسلم:

قد توفي أبوه وهو صلى الله عليه وسلم حمل في بطن أمه آمنة بنت وهب، فولد يتيمًا، ثم ماتت أمه وعمره ست سنوات، فكفله جده لمدة سنتين ومات أيضًا، ثم كفله عمه أبو طالب إلى أن شبَ، فنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم نشأة اليتامى.

استرضع عبد المطلب للنبي صلى الله عليه وسلم حليمة ابنة أبي ذؤيب من سعد بن بكر، وقد بوركت أسرة حليمة السعدية بأنواع من البركات طيلة مكوث النبي صلى الله عليه وسلم رضيعًا فيهم، وحصل هناك شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم .

وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قالوا له: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك، قال: «نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بُهمًا لنا إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجًا، فأخذاني فشقّا بطني، واستخرجا قلبي فشقّاه، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثم غسلا قلبي بذلك الثلج حتى أنقياه«(7).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير ابن كثير، سورة الفيل بتصرف.

(2) سيرة ابن هشام (1/213).

(3) غلام يفعة: معناه قوي قد طال قده.

(4) سيرة ابن هشام (1/217).

(5) ذكره البخاري في صحيحه في كتاب المناقب.

(6) رواه مسلم في الفضائل، باب فضل نسب النبي غ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة (2277).

(7) سيرة ابن هشام (1/214).



بحث عن بحث