الـمسألة التاسعة: هل يشترط في الآمر أن يكون ممتثلاً لما أمر؟ أو هل تشترط العدالة في الآمر والناهي؟

دلَّ الحديث على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -كما سبق- فهل يأمر الآمر على كل حال، سواء كان مستقيمًا أو غير مستقيم، بمعنى: هل يشترط في الآمر والناهي أن يكون ممتثلًا لما يأمر به، مجتنبًا ما ينهى عنه؟

لا شك أن هذا هو الأولى، بل هو المطلوب امتثالًا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(1)

وكذا قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}(2)هذا هو الأولى، لكن هل يشترط؟

الجواب أن نقول: اختلف أهل العلم في هذا، فذهب بعضهم إلى هذا القول، بمعنى: أنه يشترط العدالة في الآمر والناهي، ولم أر من نص على هذا بعينه سوى النص عن المعتزلة، ذكر هذا القرطبي. قال :: «ليس من شرط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون عدلًا عند أهل السنة، خلافًا للمعتزلة حيث تقول: لا يغيره إلا عدل، وهذا ساقط». اهـ(3).

أما جمهور أهل السنة فلا يشترطون ذلك. قال النووي :: «قال العلماء: لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال، ممتثلًا ما يأمر به، مجتنبًا ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلًّا بما يأمر به، وإن كان متلبسًا بما ينهى عنه؛ فإنه يجب عليه شيئان:

1-    أن يأمر نفسه وينهاها.

2-    أن يأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟ اهـ«(4)

وقال ابن عطية -كما نقله ابن النحاس-: «قال حُذَّاق أهل العلم: ليس من شرط الناهي أن يكون سليمًا عن معصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعضًا». وقال بعض الأصوليين-فيما نقله ابن النحاس-: «فرضٌ على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضًا»؛ لأن قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ}، يقتضي اشتراكهم في الفعل، وذمهم على ترك التناهي.

وبناء على ذلك رد أهل العلم اشتراط العدالة:

يقول ابن النحاس: «وذهب قوم إلى أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يشترط أن يكون عدلًا، وأنه ليس لفاسق أن يأمر وينهى، وهذا من حيث الإطلاق فاسد»(5)

وقال القرطبي: «خلافًا للمعتزلة حيث تقول: لا يغيره إلا عدل، وهذا ساقط؛ فإن العدالة محصورة في القليل من الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام في جميع الناس»(6)

بقي بعد هذا: كيف تخرج الآيتين؟

خرجها أهل العلم بأنهما تهدي لمن يأمر بشيء ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، فالمقصود أن يجعل الإنسان فعله مصدقًا لقوله ليكون له أثره ونتيجته المرجوة.

يقول الغزاليُّ: «وأما الآيات التي استدلوا بها فهي إنكار عليهم من حيث تركهم الأمر بالمعروف لا من حيث أمرهم، ولكن دل على قوة علمهم، وعقاب العالم أشد؛ لأنه لا عذر له مع شدة علمه، وقوله تعالى: {ِلمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} لمراد به الوعد الكاذب، وقولهﻷ: {وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} ، إنكار من حيث أنهم نسوا أنفسهم لا من حيث أنهم أمروا غيرهم، ولكن ذكر أمر الغير استدلالًا به على علمهم، وتأكيدًا للحجة عليهم»(7)

وبعد: فمما يؤيد أنه لا يُشترط كمال الحال قول ابن النحاس: «وكما يدل على أن للفاسق أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قوله غ: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»(8) »(9)



بحث عن بحث