المسألة الثانية: حكم إنكار المنكر

استدل بهذا الحديث على أن إنكار المنكر واجب؛ لقوله: «فليغيره». قال النووي: «وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «فليغيره» فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتابُ والسنةُ وإجماعُ الأمة»(1).

ويمكن تفصيل الكلام في حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على النحو التالي:

لقداتفق أهل السنة والجماعة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصوصُ من الكتاب والسنة وإجماع الأمة متضافرةٌ في ذلك، بل جعله بعضهم من عقيدة أهل السنة والجماعة وأصول معتقدهم.

والأدلة على ذلك ما يلي:

1-من القرآن الكريم: جاءت كثير من الآيات القرآنية الدَّالَّة على وجوبه من وجوه كثيرة وبأساليب متعددة، منها:

أ- الأمر به صراحة: قال تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(2)

يقول الغزاليُّ في الإحياء: «ولتكن» أمر، وظاهر الأمر الإيجاب(3)

ب- حصر الفلاح وإناطته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في الآية السابقة.

ج- جعله علامة فارقة بين الإيمان والنفاق، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(4).وقال جلَّ: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(5)

 د- أن تركه سبب لحصول اللعنة والعذاب، {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}(6)

يقول الغزاليُّ: «وهذا غاية التشديد؛ إذ عَلَّلَ استحقاقهم لِلَّعنة بتركهم النهيَ عن المنكر»(7)

هـ- أنه سبب للنجاة،{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(8)

و- أنه غاية من الغايات يتم من أجلها تمكين الله للمؤمنين في الأرض، {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(9)

2-من السنة: الأحاديث كثيرة جدًّا، وكتب السنة زاخرة بهذا، فالإمام مسلم في صحيحه عقد بابًا منه سماه: باب كون النهي عن المنكر من الإيمان.

وأبو داود سماه الأمر والنهي، والترمذي عقد أبوابًا منها: باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر... وغير هؤلاء، ومنهم الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي المتوفى 600 هـ له جزء فيه أكثر من مائة حديث وأثر أَغلبها صحيح(10).

ومن تلك الأحاديث:

أ- حديث الباب.

ب- ومنها: حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس على الطرقات». فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: «فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقه». قالوا: وما حق الطريق؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمرٌ بالمعروف، ونهيٌ عن المنكر» فمن لم يقم فهو آثم(11).

ومنها: حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها، مثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة فأبوه فقالوا: ما لك؟ قال: قد تأذيتم بي ولا بد لي من الماء. فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم. وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم»(12).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 32).

(2) سورة آل عمران: (104).

(3) إحياء علوم الدين، للغزالي (2/307).

(4) سورة التوبة، آية:(71).

(5) سورة التوبة، آية:(67).

(6) سورة المائدة، آيتان:(78، 79).

(7) إحياء علوم الدين (2/307).

(8) سورة الأعراف، آية:(165).

(9) سورة الحج، آية:(41).

(10) وقد حققته في مجلد صدر عن دار العاصمة بالرياض، عام (1417 هـ).

(11) البخاري، كتاب المظالم، باب أحقية الدور والجلوس فيها، والجلوس على الصعدات (5/112)، برقم: (2456)، وفي كتاب الاستئذان (11/8)، مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات (3/ 1675)، برقم: (2121).

(12) البخاري، كتاب الشهادات، برقم: (2493، 2686).



بحث عن بحث