المبحث الثاني: التحليل اللفظي للحديث

»أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان«

الخُطبة هنا بضم الخاء، وهي: الكلام إلى الناس، قيل: الكلام المنثور المسَجَّع، أما إذا كُسِرت الخاء، فالمقصود به خطبة المرأة للنكاح.

      يوم العيد: عيد الفطر أو عيد الأضحى، و(ال) للعهد، أي خطبة العيد، وكذا (ال) في الصلاة.

      مروان: هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي، أبو عبد الملك، وقيل: أبو الحكم، وُلد بعد الهجرة بسنتين، وقيل بأربع، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح له منه سماع، روى عن عثمان وعلي وزيد بن ثابت وأبي هريرة، وروى عنه ابنه عبد الملك وسعيد بن المسيب وغيرهم، كان واليًا على المدينة أيام معاوية وبويع له بالخلافة سنة أربع وستين بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية، دامت ولايته تسعة أشهر، مات سنة خمس وستين، خرَّج له الجماعة(1).

      في هذه العبارة جاء صريحًا: أن أول من قدَّم الخطبة قبل الصلاة مروان، وقيل غير ذلك، فقيل: عمر، وقيل: عثمان، وقيل: ابن الزبير. ذكر الحافظ في الفتح أن ابن المنذر أخرج بإسناد صحَّحه الحافظ عن الحسن البصري أنه قال: «أول من خطب قبل الصلاة عثمان، صلى بالناس ثم خطبهم-يعني على العادة- فرأى ناسًا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك«(2).

      وقيل: إن عمر هو الذي فعل ذلك. ذكر الحافظ أن عبد الرزاق وابن أبي شيبة رَوَيَا بإسناد صحيح أن عمر فعل ذلك.

لكن عورض ما روي عن عمر وعثمان بما نقله النووي عن القاضي عياض : قال: «والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم تقديم الصلاة، وعليه جماعة فقهاء الأنصار، وقد عدَّه بعضهم إجماعًا«.

قال النووي: «يعني -والله أعلم- بعد الخلاف، أو لم يلتفت إلى خلاف بني أمية بعد إجماع الخلفاء والصدر الأول»(3). ويشهد لهذا ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة«(4).

وروي هذا الفعل -أيضًا- عن معاوية، ذكر الحافظ أن الشافعي أخرج عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس، وزاد: «حتى قدم معاوية فقدم الخطبة». وروى عبد الرزاق عن ابن جريج، عن الزهري قال: «أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية«.

قال الحافظ: «هذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعًا لمعاوية؛ لأنه كان أمير المدينة من جهته». كما أنه قيل إن أول من فعله ابن الزبير  أشار إلى ذلك النووي نقلًا عن القاضي عياض :.

وبعد: فالذي يظهر هو ما في الصحيح أن أول من قدم الخطبة مروان، ويجمع بين هذا وبين ما روي من أحاديث أُخَر صحح البعض أسانيدها بما قاله الحافظ :: «إن ذلك يُحمل على ندرة الوقوع، وإلا ما في الصحيح أصح«.

ومما يعضد أن الخلفاء الراشدين لم يفعلوه: إنكار أبي سعيد، كما قال النووي :: «وفي قوله بعد هذا: أما هذا فقد قضى ما عليه. بمحضر من ذلك الجمع العظيم دليل على استقرار السنة عندهم على خِلاف ما فعله مروان«.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر السابق (ص: 525).

(2) فتح الباري (2/ 171).

(3) شرح النووي (2/ 22).

(4) فتح الباري (2/ 453).



بحث عن بحث