الـمسألة العاشرة:

حكم التجسس في الأمر والنهي

قوله في الحديث: «من رأى منكم منكرًا» يدل على أنه لا ينكر على مُنكر إلا من رأى؟ هذا هو الظاهر. فهل يدل الحديث على أنه إذا علم عن منكر في بيت أو مؤسسة أو غيرها، ولم يكن ظاهرًا، فهل له البحث عنه لإنكاره، بمعنى آخر: هل له التجسس؟

هذه قضية كثر الكلام فيها، وملخص الجواب -والله أعلم- ما ذكره الماوردي :: «ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات، فإن غلب على الظن إسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت؛ فذلك ضربان:

أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، يجوز له في مثل هذه الحالة أن يتجسس، ويقدم على الكشف والبحث حذرًا من فوات ما يستدرك.

الضرب الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة؛ فلا يجوز التجسس عليه، ولا كشف الأستار عنه».

ويقول الغزالي: «أن يكون المنكر ظاهرًا للمحتسب بغير تجسس، فكل من ستر معصية في داره وأغلق بابه لا يجوز أن يتجسس عليه، وقد نهى الله تعالى عنه» اهـ. يشير إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ ثم قال: «فإن قلت: فما حد الظهور والاستتار؟ فاعلم أن من أغلق باب داره وتستر بحيطانه فلا يجوز الدخول عليه بغير إذنه لتعرف المعصية، إلا أن يظهر في الدار ظهورًا يعرفه من هو خارج الدار، كأصوات المزامير والأوتار إذا ارتفعت بحيث جاوز ذلك حيطان الدار، فمن سمع ذلك فله دخول الدار وكسر الملاهي». ثم ذكر أمثلة أُخَر([2]).

ويقول ابن رجب :: «قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا»، يدل على أن الإنكار متعلق بالرؤية، فإن كان مستورًا فلم يره ولكن علم به. فالمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات أنه لا يتعرض له، وأنه لا يفتش عما استراب به، وعنه رواية أخرى أنه يكشف المغطى إذا تحققه، ولو سمع صوت غناء محرم أو آلات الملاهي وعلم المكان التي هي فيها فإنه ينكرها؛ لأنه قد تحقق المنكر وعلم موضعه، فهو كمن رآه. نص عليه أحمد. وقال: أما إذا لم يعلم مكانه فلا شيء، وأما تسوُّر الجدران على من علم اجتماعهم على منكر فقد أنكره الأئمة، مثل سفيان الثوري وغيره، وهو داخل في التجسس المنهي عنه، وقد قيللابن مسعود: إن فلانًا لحيته تقطر خمرًا، فقال: نهانا الله عن التجسس»(

([1]) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (284).


([2]) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (284).



بحث عن بحث