الورع وصلاح القلب

عن أبي عبد الله النعمان بن بشير م قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، إلا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».

©  المباحث اللغوية:

إن الحلال بيّن: أي ظاهر واضح.

أمور مشتبهات: المشتبه هو المشكل وفسرها الإمام أحمد بأنها منزلة بين الحلام والحرام، وقيل: ما اختلف فيه هل هو من الحلال أو من الحرام.

فمن اتقى الشبهات: ابتعد عنها وجعل بينه وبينها وقاية.

استبرأ لدينه وعرضه: أي طلب البراءة لدينه من النقص ولعرضه من القدح، وذلك بفعل أسباب البراءة.

يوشك: يقرب.

أن يرتع فيه: أن يرعى وتأكل ماشيته منه.

محارمه: المعاصي التي حرمها الله تعالى.

مضغة: القطعة من اللحم قدر ما يمضغ الإنسان في فمه.

©  أهمية الحديث:

هذا الحديث عظيم يبين تعامل المسلم مع الأشياء، فقد جعله الإمام أحمد بن حنبل : من الأحاديث التي تبين أصول الإسلام، فقال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث، وذكر منها هذا الحديث.

©  توجيهات الحديث:

1-   من فضل الله تعالى أن جعل الأحكام التي يتعامل بها المسلمون في هذه الحياة واضحة جليلة، فالحلال واضح وبيّن، والحرام واضح وبيّن، وهكذا الدين كله قائم على الوضوح والجلاء فلا غموض ولا إشكال. قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].

2-   قد يكون هناك مستجدات في حياة الناس في أطعمتهم أو شرابهم أو بيعهم أو شرائهم ونحو ذلك مما لا يفقه حكمه كثير من الناس، فمنهم من يجعله مع الحرام، ومنهم من يجعله مع الحلال فمن يعرف ذلك؟ وما موقف المسلم إذا لم يتبين هذا الحكم؟

أ – فالذي يعرف ذلك هم أهل العلم المختصون الراسخون فيه، الذين لا يخلو منهم زمان.

ب – وموقف المسلم أن يبتعد عن المتشابه الذي لم يتبين له حكمه، أو تُردد في الحكم عليه، حتى لا يقع في الحرام، وهذا هو منهج الاحتياط والحذر.

3-   ذكر أهل العلم أن الأصل في المعاملات والمطعومات الإباحة، بمعنى أنه مباحة كلها ما لم يرد دليل شرعي يبين أنها حرام.

4-  تتعدد مواقف الناس من المشتبهات:

ج- فمنهم من لم يتورع عنها وهؤلاء أوقعوا أنفسهم في المهالك كما جاء في الحديث: «كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه».

د- وقسم تحصن بالورع وتركها، وهؤلاء سلموا في أنفسهم ودينهم وأعراضهم لأنهم اتبعوا منهج الحذر والحيطة فسلموا.

5-   إن من يضع نفسه مواضع الريب تلصق به التهم، ولذلك ينبغي للمسلم أن يتجنب مواضع الريب والتهم حتى لا يظن فيه ظن السوء، كالذي يفطر في نهار رمضان أمام الناس وهو معذور فيلصق الناس به التهم، ومثل هذا عليه أن يفطر مستترًا حتى لا تلحقه الشكوك والريب.

6-   ينبغي للمعلم أن يسلك الوسائل المقربة للمعلومات لتلاميذه، ومنها ضرب الأمثال التي عن طريقها يقرب تصوير الأشياء كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم  في هذا الحديث، والقرآن الكريم والسنة النبوية مليئة بضرب الأمثال، فالمعلم الحصيف والأب الناصح هو الذي يستعمل مثل هذه الوسائل.

7-   القلب ملك الأعضاء، وهو الموجه لها، وهي المؤتمرة بأمره، فعلى المسلم أن يركز على إصلاحه وسلامته فإذا صلح صلحت سائر الجوارح وإذا فسد فسدت سائر الجوارح، ولا ينجو يوم القيامة إلا صاحب القلب السليم: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿89 وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء: 89].

8-  وصلاح القلب يكون بعدة أمور منها:

أ – قوة الارتباط بالله تعالى ومراعاته في جميع الأعمال.

ب – العمل بالفرائض التي فرضها الله تعالى على عباده.

ج- الإكثار من السنن والمستحبات.

د- كثرة قراءة القرآن الكريم وتدبره والتأمل في آياته.

هـ - كثرة ذكر الله تعالى ودعائه ومناجاته.



بحث عن بحث