مثال تطبيقي للحديث الموضوعي في صورته المطلوبة

السماحة واليسر في الإسلام

مدخل:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين الطيبين الطاهرين، وبعد:

فلقد بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم  وجعله خاتم النبيين ودينه خاتم الأديان فأتم به النعمة وأكمل الدين، قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: 3].

فدين الإسلام هو الدين الذي نسخ به الله تعالى سائر الأديان، وجعله متميزاً عليها، فكان ديناً كاملاً يتصف بالشمول والكمال والوسطية والاعتدال والقيام على اليسر والسماحة، فكانت حاجة الناس إلى هذا الدين حاجة ضرورية، وذلك لقيام مصالحهم في الدنيا والآخرة عليها، وليعيشوا في ظلها وهم آمنون وهذه مقاصد عظيمة للدين، قال ابن القيم : معبراً عن أهمية المقاصد: (الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بدون استئذان)، ثم قال: (إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها، ورحمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة).

وإذا كان من حكمة بعثته صلى الله عليه وسلم  رفع الإصرار والأغلال الواقعة على الأمم من قبلنا فهو دليل على أن من أبرز سمات هذا الدين، قيامه على السماحة واليسر، يقول سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: ١٥٧].

والنصوص من القرآن الكريم والسنة المشرفة متضافرة على هذا المعنى، أذكر منها، منها قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: 78].

وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).

وكما أن النصوص القولية ظاهرة في تقرير هذا المبدأ فالسنة العملية جرت بذلك فكان منهج اليسر تطبيقاً لما اتصف به هذا الدين وكما اتخذه الرسول صلى الله عليه وسلم  منهجاً في حياته:فما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكـن إثما .

لكن الضابط لتحديد منهج اليسر الذي يكون التعامل فيه سواء بين العبد وربه، أو بين العبد والعباد هو الدليل الشرعي، وهذا يخرج ما قد يفهم إن اليسر بناء رغبات الناس، أو ما تحدده شهواتهم، أو ما تراه عقولهم.

ومن هنا تضافرت النصوص الشرعية في تحديد مجالات اليسر ورفع الحرج وعدم التضييق على العباد التي سأفصل شيئاً منها في هذا البحث، مقتصراً على ما يدل عليه المقام فحسب دون استقصاء شامل وذلك في ضوء المباحث الآتية:

المبحث الأول: مجالات اليسر في السنة النبوية.

المبحث الثاني: استخلاص ما ذكره أهل العلم من القواعد الشرعية المستنبطة من هذه النصوص.

المبحث الثالث: بعض تطبيقات السلف لهذا المبدأ.

المبحث الرابع: آثار الابتعاد عن منهج التيسير.

المبحث الخامس: نتائج البحث.

وكل ما سبق أبحثه باختصار لأن الهدف هو تطبيق منهجية البحث في الحديث الموضوعي النظري من جميع جوانبه وقد اتخذت الطريقة الأولى هي ذكر الأحاديث أولاً.

ثم إبراز منهجية اليسر في التشريع الإسلامي إجمالاً.

هذا ما قصدت والله أسأل التوفيق والتسديد والصفح والعفو إنه ولي ذلك والقادر عليه.



بحث عن بحث