الحلقة الخامسة
المطلب الثاني: التصور الصحيح للإنسان والكون والحياة
الإنسان في العقيدة الإسلامية مخلوق من مخلوقات الله تعالى، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وصوره فأحسن صورته، وخلقه في أحسن تقويم.
وركب الله تعالى فيه العقل الذي تميز به عن سائر المخلوقات المحيطة به، وغرس فيه روح العبودية له تعالى، وجعله خليفة في الأرض، وحمله أمانة إعمارها وإصلاحها، وحدد له فيها أجلاً لا يزيد ولا ينقص، ثم يرجع بعد ذلك في اليوم الموعود إلى الله، خالقه ورازقه ومفيض النعم عليه، حيث يلقى جزاء ما عمل فيصير إلى السعادة الخالدة أو الشقاء(1).
قال تعالى: ] اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ [ السجدة:6-11. وقال تعالى: ] لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ[ التين: 4.والإسلام يقرر بجلاء الغرض الذي لأجله خلق الإنسان، وهو عبادة الله وحده، والعمل بشرعه، وعمارة أرضه، كما قال تعالى: ] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ الذاريات: 56.
والإنسان بطبيعة خلقه وتكوينه لديه استعداد للاستجابة للحق والهدى والانسياق مع الضلال والباطل.
قال تعالى: ] وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[ الشمس: 7-10.
وقال تعالى: ] فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا[ طه: 123-124.
وأما الكون فإنه بكل ما فيه من سماوات وأرضين، وأفلاك وجمادات وكائنات حية .. كله من خلق الله تعالى، فهو لم يوجد نفسه، وهو لم يكن نتيجة تطورات أو تغيرات طبيعية فيه، وهو لم يوجد صدفة، وإنما خلقه الله ، وأجرى حركته بتقدير سابق، وعلم وحكمة، وسيره عز وجل وفق سنن لا تتغير(2)، لتستقيم بذلك حياة الناس على هذه الأرض، قال تعالى: ] ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ[ الأنعام:102. وقال تعالى: :] الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا[ الفرقان: 2.
والكون كله صامته وناطقه، أحياؤه وجماده، ناطق بعظمة الله، منقاد لأمره، مسبح بحمده ] تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا[ الإسراء: 44.
وعظمة الكون وإتقانه وانتظامه، دليل على وجود الله تعالى ووحدانيته، وعلى سعة علمه وكمال قدرته، قال تعالى: ] قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [ النمل: 59-60.وهذا الكون المحيط بالإنسان هو ميدان نشاطه، يستخدم فيه الإنسان طاقاته وقواه، ويسخره لمنفعته، وتحقيق عبوديته للخالق عز وجل.
وقد أخبر الله تعالى أنه سخر الكون لمنفعة الإنسان، فقال تعالى: ] وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[ الجاثية: 13. وقال تعالى:] هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ البقرة: 29." أي: خلق لكم – براً بكم ورحمة – جميع ما على الأرض للانتفاع والاستمتاع والاعتبار"(3).
(1 ) انظر: الخطيب – لمحات في الثقافة الإسلامية (ص331).
(2 ) انظر: عثمان، عبدالكريم، معالم الثقافة الإسلامية (1399هـ) مؤسسة الأنوار(ص21).
وانظر: الزنيدي، حقيقة الفكر الإسلامي(1415هـ) الرياض، دار المسلم(ص55).
(3 ) ابن سعدي، عبد الرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن(1420هـ) بيروت، مؤسسة الرسالة، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق(ص48).