أقسام الحديث المعل
تنوعت أساليب العلماء في تقسيم الأحاديث المعلَّة على ما يلي:-
1. تقسيمها - حسب أثر العِلَّة - قسمين اثنين هما:-
أ- علة قادحة ، كالإرسال في السَّند ، وتغيير المعنى في المتن(1).
ب- علة غير قادحة ، كتعيين الصَّحابي(2).
وهذا التقسيم عبر عنه ابن حجر بـ: « مراتب العلل »(3).
2. تقسيمها حسب موضعها إلى علل في السَّند وعلل في المتن.
أ- فمن علل السَّند:- رفع الموقوف ووصل المنقطع وإبدال راوٍ بآخر وإسقاط راوٍ أو زيادته وإبدال سند بآخر أشهر منه ، ونحو ذلك.
ب- ومن علل المتن:- إدراج متن بآخر ، والرِّواية بالمعنى مع تغيير المراد، ومخالفة الصَّحابي لما رواه ، والتَّفرد بزيادة في المتن.
3. تقسيم ينظر فيه إلى قوة تأثير العِلَّة في الحديث على التالي:-
أ- ما يغلب على الظَّنِّ قبول علته.
ب- ما يغلب على الظَّنِّ رده.
ج- ما يجزم بِرَدِّه.
د- ما يتوقف فيه لقوَّة تردُّده(4).
وهذا التَّقسيم مرتبط بقرائن التَّعليل الآتي ذكرها بعد ، وعلى هذا اختلف العلماء في اعتبار العلة وعدم اعتبارها ، استناداً على قوة العِلَّة وأثرها في صحة الحديث ، مع احتمال اتفاقهم على وجود أصل العِلَّة في حديث معين.
4. تقسيم بالنَّظر إلى نوع العِلَّة الظَّاهرة - وجعل كل قسم نوعاً من أنواع علوم الحديث - ومن هذه الأقسام:-
1- اختلاف الوصل والإرسال.
2- المضطرب(5).
3- زيادة الثِّقَات(6).
4- الشَّاذ(7) والمنكر.
5- المقلوب(8).
6- المدرج(1).
7- المزِيد في متَّصل الأسانيد.
8- المصحَّف والمحرَّف.
وواضح أن هذه الأنواع جزء من الحديث المعل(9) وإن اشتهر عند علماء المصطلح إفرادها في أبواب مستقلة وهي في الواقع جزء من العلل - الذي جعلوه مستقلاً - لأمور منها:-
1- أن الذين ألَّفوا في العلل أو تكلَّموا فيها عَرَضَاً ، قد ذكروا أحاديث فيها أكثر ما تقدَّم.
2- أن هذه الأنواع إنَّما عرفت بالنَّظر إلى رواية المخالف ، وهذا بلا شك داخل في علم علل ، حيث إنَّه يقوم على جمع الرِّوايات ، والنَّظر في الاختلاف ، ومن ثم الحكم كما سيأتي تفصيله فيما بعد(10).
3- أن في الحكم على حديث بشيء من الأنواع السَّابقة في بعضه تعليل لسند ظاهره الصِّحة ، اضطُّلع على علته الخفية بالاعتبار ، ويبقى بعد التَّعليلِ النَّظرُ في أثر العِلَّة ، أقادحة هي أم لا.
4- أنَّ إفراد جزء من علم بالتأليف ، لا يعني أنه مستقل عنه في قواعده. فإفراد علماء الحديث السَّابقين بعض جزئيات العلل بالتأليف لا يفهم منه أنه علم مستقل يذكر بجانب علم العلل في كتب المصطلح.
ومن المآخذ المترتبة على إهمال ما سبق أمران:-
1- أنه عند التَّمثيل بأحاديث معلَّة لا تذكر بعض الأنواع السَّابقة ، لأنها من علم آخر - اصطلاحاً – عند البعض.
2- أن ذلك قد يُوحي لدى البعض أيضاً أن قواعد هذه الأنواع وأسس التَّرجيح فيها غير التي في علم العلل. وهذا غير صحيح باعتبار الأصل ، وإن كان قد يتميَّز كل نوع بجزئية تخصُّه لا تخرجه عن أصل علم العلل ، ونوع المدرج يبين صحة ما سبق ذكره ، حيث ظن البعض أن الرواية التي تبين الإدراج فاصلة في الأمر ، وأغفل قرائن قبولها أو ردِّها ، فليس كل من ميز وبين الإدراج في الرواية يقبل قوله إذا خالف من هو أرجح.
ولعل إفرادهم هذه الأنواع من باب جمع الأمثلة المتشابهة ، وفي هذا لطافة علمية ظاهرة وتجديد ، وممن قام بذلك الحافظ ابن حجر ، فقال السَّخاوي: « وقد أفرد شيخنا من هذا الكتاب - أي علل الدَّارقطني - ما له لقب خاص كالمقلوب والمدرج والموقوف ، فجعل كلاً منها في تصنيف مفرد ، وجعل العلل المجرَّدة في تصنيف مستقل... »(11).
وذكر ابن حجر(12) والسَّخاوي(13) أن في العلل للدَّارقطني أمثلة للمضطَّرب. وقال الصَّنعاني عن علمي العلل والمضطَّرب: « والبحثان متقاربان ، والاضِّطراب نوع من العلل »(14).
وذكر أبو عبد الله الحاكم أجناساً كثيرةً للعلل تمثيلاً فحسب(15).
وقال ابن حجر عند قول ابن الصلاح "ويصلح مثالاً للمعلل": «لا يختصُّ هذا بهذا المثال ، بل كلُّ مقلوب لا يخرج عن كونه معللاً ، أو شاذاً ، لأنه إنما يظهر أمره بجمع الطُّرق واعتبار بعضها ببعض ، ومعرفة من يوافق ممن يخالف …»(16).
فالحاصل أنَّ كلَّ اختلاف على الرَّاوي داخل في علم العلل بصنيع من سلف من علماء الحديث وعلله ، سواء كان الاختلاف قادحاً أم لا ، وسواء كان في السَّند أم المتن. وأما إدخال روايات الضُّعفاء في كتب العلل فلأَنَّ هذا يسمى علة من حيث الأصل ، ولأنَّ الاصطلاح لم يستقرَّ بعد ، والأمر سهل ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، إن لم يترتب على ذلك تأثير في النهج العلمي التطبيقي ، والحاجة إلى تنويع العلم وتقسيمه من سمات العصور المتأخرة - كما هو معلوم - في شتى العلوم ، والإنكار على هذا فيه تشديد.
(1) هذه النوع الأخير قليل جداً في الأحاديث المعلة بحمد الله ، مما يدلُّ على اهتمامهم بألفاظ الحديث أكثر من الأسانيد ، ومن أشهر الأمثلة في ذلك قول ابن أَبي حاتم في علله (1/64و66): «سألت أَبي عن حديث رواه علي بن عياش عن شعيب بن أَبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: كان آخر الأمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار. فسمعت أَبي يقول: هذا حديث مضطرب المتن ، إنما هو إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل كتفاً ولم يتوضأ ، كذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن جابر ، ويحتمل أن يكون شعيبٌ حدَّث به من حفظه فوهم فيه».
(2) النكت لابن حجر (2/746-747).
(3) الفتح (10/631).
(4) نصب الراية (1/237).
(5) قال ابن حجر: « الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطربا إلا بشرطين:-
1- أحدهما استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدِّم ولا يعلُّ الصحيح بالمرجوح.
2- ثانيهما - مع الاستواء - أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين ويغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه فحينئذ يحكم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب ويتوقف عن الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك » - هدي الساري (ص509).
(6) هذا المبحث من أشكل مسائل علم العلل ، وسيأتي تفصيل القول فيه عند الكلام عن قرينة الحفظ (ص 37).
(7) قليل جداً استخدام المحدثين السابقين لهذه اللفظة فيما اصطلح عليه بعد ، أما النوعان السابقان فكثيران جداً في الأحاديث المعلة كما هُوَ معلوم لمن نظر في كتب العلل وغيرها.
(8) ممن ذكر هذا النوع في التعليل ابن أَبي حاتم (1/70و151و2/24) عن أبيه ، والدارقطني (5/89) كلاهما في علله.
(9) ممن ذكر هذا النوع في التعليل ابن المديني (ص77) وابن أَبي حاتم (2/149) والدارقطني (2/95) في عللهم.
(10) أما قول الحاكم في المعرفة (ص119و120) بأن الشاذ يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته بخلاف الشاذ ، فلا دليل عليه من صنيع من سلف ، ولم يفصل الحاكم في دليله ، بل إنه أسند عقب كلامه عن الشافعي أنه قيد الشاذ بقيدين هما:- 1- المخالفة. 2- من الثقة خصوصاً ، وهذا جزء من علم العلل كما سبق ، وأكثر الروايات الشاذة قد عرف سبب شذوذها ، وقول الشافعي بالمخالفة يدل على خلاف كلام الحاكم.
(11) (ص25).
(12) فتح المغيث (1/275).
(13) النكت لابن حجر (2/774).
(14) فتح المغيث (1/275).
(15) توضيح الأفكار (2/37).
(16) المعرفة للحاكم (ص113-119).
(17) النكت لابن حجر (2/874).