أحق الناس بالصحبة
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله مَن أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك)(1).
قال بعض العلماء: ينبغي أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب لأنه - صلى الله عليه وسلم - كرر الأم ثلاثة مرات وذكر الأب في المرة الرابعة فقط، وإذا تؤمل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل، وصعوبة الوضع، وصعوبة الرضاع تنفرد بها الأم، وتشقى بها دون الأب، فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب، ثم تشاركه في التربية، وقيل للأم ثلثان وللأب الثلث. وإلى هذا نبه سبحانه في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(2)؛ فسوّى بينهما في الوصاية، وخصّ الأم بالأمور الثلاثة، قال القرطبي: المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر وتُقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة.
وذكر الحارث المحاسبي أن تفضيل الأم على الأب في البر هو إجماع العلماء، وفيه تنزيل الناس منازلهم.
ولا يعني هذا مطاوعة الأم ومخالفة الأب عند التعارض، وإنما كما قال القرطبي يعني استحقاق الحظ الأوفر من البر(3).
(1) أخرجه البخاري ك الأدب باب من أحق الناس بحسن الصحبة ح 5971، ومسلم باب بر الوالدين وأنهما أحق به ح 2548-4/1974.
(2) سورة لقمان آية 14.
(3) انظر فتح الباري 10/ 402، وشرح النووي لصحيح مسلم 16/102.