آثار الدعاء على النفس والمجتمع
رابعًا: الدعاء سبب للثبات عند اللقاء:
كما إن الدعاء من أهم أسباب الثبات والنصر في المعارك، فإن الله تعالى يثبت عباده عند لقاء الأعداء إذا دعوه، وينصرهم عليهم، وقد ضرب الله لذلك مثلاً في قصة طالوت ومن معه حين واجهوا قوة جالوت وجنوده، قال الله تعالى:{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(1)، فقد لجأ هؤلاء القوم الصالحون إلى الله تعالى بالدعاء ليثبتهم وينصرهم على جيش جالوت، فاستجاب الله دعوتهم فكانت النتيجة التي أفرحت المؤمنين:{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(2).
وكان هذا شأن النبي ﷺ في المعارك والحروب، فقد دعا كثيرًا يوم بدر وألحّ على الله تعالى في دعائه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: - وهو في قبة له يوم بدر - أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا، فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك وهو في الدرع، فخرج وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر«(3).
خامسًا: الدعاء يساعد في تلاحم المجتمع:
إن الدعاء له أثر كبير في إيجاد روح التلاحم والتآلف بين أبناء المجتمع، لأنه يزيل من قلوبهم درن الحقد وسواد الكراهية، فحين يدعو أحدهم لأخيه المسلم بالعفو والغفران، أو بدوام العافية والنعمة أو كشف الضرّ والأذى، فإنما يكسب بذلك قلبه ومحبته، وهذا شأن المؤمن نحو المؤمن في كل الأحوال، يقول تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}(4).
وقد حثَّ الإسلام المؤمنين على الدعاء لإخوانهم، كما في قوله:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}(5)، وقوله ﷺ: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة؛ عند رأسه ملك موكّل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل«(6). كما يقول عليه الصلاة والسلام أيضًا: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء«(7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [البقرة: 250]
(2) [البقرة: 251]
(3) سبق تخريجه.
(4) [الحشر: 10]
(5) [محمد: 19]
(6) سبق تخريجه.
(7) أخرجه الترمذي (ص468، رقم 2035) كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الثناء بالمعروف. وهو حديث حسن.