الفرق بين حسن الظن والرجاء والتمني

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «فإن حسن الظن بالله معناه أن نعتقد عن الله بأنه متصف بالحسن في ذاته وأفعاله وفي أسمائه وصفاته كما يليق بجلاله تعالى من غير تأويل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل، وجميع أفعاله لا تخلو عن الحكمة سواء علمناها أو جهلناها.

وأما الرجاء فهو ارتياح لانتظار ما هو محبوب عند النفس، ولكن ذلك المتوقع لا بد له من سبب حاصل، فإن لم يكن السبب معلوم الوجود ولا معلوم الانتفاء سمى تمنيًا لأنه انتظار من غير سبب«(1).

منزلة حسن الظن بالله من الدين:

يقول الله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(2).

ويقول جل ذكره على لسان يعقوب عليه السلام: {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(3).

ويقول تبارك وتعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}(4).

وهو من الأمور التي وصى بها رسول الله ﷺ حيث قال: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله« (5).

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «قدم رسول الله ﷺ بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبيًا في السبي فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال رسول الله ﷺ: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله! وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال رسول الله ﷺ: لله أرحم بعباده من هذه بولدها«(6).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرض إن رحمتي تغلب غضبي«(7).

وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه»(8)، وفي رواية: «وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة«(9).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم«(10).

وروى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم«(11).

وقال ﷺ: «يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ هم خير منهم، وإن تقرب مني شبرًا تقربت إليه ذراعًا وإن تقرَّبَ إلي ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة«(12).

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه سمع النبي ﷺ قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله«(13).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقلاً عن: مختصر منهاج القاصدين، تأليف ابن قدامة المقدسي ص316.

(2) [الزمر: 53]

(3) [يوسف: 87]

(4) [الأعراف: 156]

(5) أخرجه مسلم (ص1246، رقم 2877) كتاب الفتن، باب الأمر بحسن الظن بالله عند الموت.

(6) أخرجه البخاري (ص1050، رقم 5999) كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله. ومسلم (ص1193، رقم 2754) كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله تعالى وأنها تغلب غضبه.

(7) أخرجه البخاري (ص1273، رقم7404) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿ﯵﯶ﴾. ومسلم (ص1192، رقم 2751) كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله.

(8) أخرجه البخاري (ص1050، رقم 6000) كتاب الأدب، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء. ومسلم (ص1193، رقم 6972) كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله.

(9) أخرجه مسلم (ص1193، رقم 6974) كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله.

(10) سبق تخريجه.

(11) أخرجه مسلم (ص1200، رقم 2767) كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله.

(12) سبق تخريجه.

(13) سبق تخريجه.



بحث عن بحث