واجبنا نحو السنة النبوية

 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن السنة النبوية هي كل ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلقية أو خَلقية، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهي الترجمان والشارح للفرائض والأحكام العامة الواردة في كتاب الله تعالى، ومن أجل ذلك لا يمكن الاستغناء عن هذا المصدر لأنه يشكل الشطر الآخر لهذا الدين.

وقد تعرض هذا المصدر عبر تاريخه الطويل وإلى الوقت الحاضر لهجمات وطعنات من المتربصين لهذا الدين، سواء من المشركين وغير المسلمين أو من المنافقين الذين يحذون حذوهم في كل صغيرة وكبيرة، وتتمثل هذه التحديات والهجمات في مجملها في إثارة الشبهات حول صحة السنة النبوية، وصحة الأسانيد والرواة، وكذلك إثارة الشبهات حول شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة من جميع جوانبها.

من أجل ذلك كان على الأمة أن تعرف واجباتها نحو سنة نبيها صلى الله عليه وسلم وتقوم بدورها المنشود من أجل الحفاظ على نقاوتها وصفائها، ورد الشبهات والأباطيل عنها، ولعل من أهم تلك الواجبات ما يلي:

1 – العمل على نشر السنة النبوية:

إن من أهم الواجب الملقاة على عاتق الأمة عامة وعلى أهل العلم خاصة العمل على نشر السنة النبوية الصحيحة بين الناس، وبيان صحيحها من سقيمها، وهو واجب شرعي لقوله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)(1)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)(2).

فهي مصدر أساسي للتشريع الإسلامي، ونشرها يعني نشر الشطر الثاني من هذا الدين، والذي يشرح في كثير من الأحيان الخطوط العامة في كتاب الله تعالى.

وأدوات النشر وآلياته كثيرة ومتعددة لا سيما في هذا العصر الذي يشهد تطورًا تقنيًا كبيرًا، الأمر الذي يسهّل عملية إيصال السنة الصحيحة إلى الناس في جميع أنحاء العالم بزمن قياسي، ومن أهم هذه الأدوات:

– الكتب: يمكن نشر السنة عن طريق إصدار الكتب التي تتناول السنة من جوانبها المختلفة، أو إصدار رسائل وكتيبات إذا كان الموضوع يتناول جانبًا معينًا من السنة النبوية، لا سيما وأن المكتبات تعج بكتب الحديث والسيرة النبوية، والدراسات العلمية حول السنة النبوية وردّ الشبهات والأباطيل عنها.

– الصحافة: حيث يمكن الكتابة فيها عن حياة بعض جوانب السنة النبوية والموضوعات المثارة حولها عبر الكتابة الدورية في الصحف والمجلات، والأفضل أن تكون هذه الكتابة من أهل العلم المختصين بعلم الحديث والسيرة النبوية.

 – الفضائيات: يمكن الاستفادة من هذه الوسيلة من خلال تخصيص برامج وندوات عن السنة النبوية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، لما لها من أثر كبير في حياة الناس، فهي الأداة التي دخلت كل بيت ويجلس أمام شاشاتها معظم الناس، وقد وفّق الله تعالى بعض أهل الخير في استغلال هذه الوسيلة لنشر سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، حتى تمكّنوا من إنشاء قناة المجد المتخصصة في السنة النبوية.

– الانترنت: حيث يمكن الاستفادة من هذه الشبكة من خلال إنشاء مواقع متخصصة لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، وإضافة كل المعلومات التي تمت إلى السيرة من الكتب القديمة والحديثة، والمقالات، والتسجيلات والمرئيات، وإنشاء منتديات خاصة للسيرة النبوية، وعقد لقاءات وندوات عبر شبكات المحادثة المتنوعة حول هذه السيرة وردّ أباطيل المستشرقين والمنافقين وشبهاتهم بالأدلة والبراهين، وقد هيّأ الله تعالى بعض أهل العلم وأهل الخير ووفقهم لإنجاز مشروع كبير في هذا المجال حين تمكّنوا من تأسيس هذا الموقع المبارك وهو موقع السنة النبوية، حيث يعدّ خطوة علمية جبّارة وصرحاً علمياً شامخاً للسنة النبوية ونشرها والدفاع عنها.

كما يمكن نشر السنة عبر المحاضرات والندوات والمؤتمرات وغيرها .

2 - دراسة السيرة النبوية من جميع جوانبها:

ومن الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين تجاه السنة النبوية دراستها وتذاكرها بين الناس، داخل الأسرة وبين أفرادها، وخارجها بين أبناء المجتمع، وفق الوسائل والأدوات المتاحة، بحيث تتناول هذه الدراسة جميع ما يتعلق بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم المتمثلة في:

- دراسة شمائلة وأخلاقه عليه الصلاة والسلام.

- دراسة تعامله مع خالقه وأهل بيته وأسرته.

- دراسة تعامله مع الرجال والنساء، والكبار والصغار، والضعفاء والأقوياء.

- دراسة تعامله مع غير المسلمين في حالتي السلم والحرب.

وذلك من خلال القرآن الكريم وكتب الحديث وكتب السيرة المتوافرة في المكتبة الإسلامية، مثل السيرة النبوية لابن هشام، وطبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري وغيرها.

3 – العمل بالسنة قولاً وعملاً:

ومن الواجبات التي تقع على عاتق الأمة نحو السنة النبوية هو العمل بما جاء في السنة النبوية وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من أحكام وتشريعات، امتثالاً لأمر الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(3)، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)(4).

وقوله عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)(5).

وبذلك فإن الادعاء في الأخذ بالقرآن وحده دون السنة ضرب من الكفر، وهدم لمعالم الدين، لأن السنة النبوية مفسرة ومفصلة لكثير من الفرائض والأحكام الواردة في القرآن بصورة عامة، كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها مما جاءت السنة مفصلة ومبينة لها.

ويكفي هؤلاء القوم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أُوتيت القرآن ومثله معه، ألا لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه حلالاً فأحلوه، وما وجدتم فيه حراما فحرموه، ألا وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله".

4 – حفظها وحمايتها من التبديل والتغيير:

لقد تكفل الله تعالى بحفظ الدين لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(6)، وحفظ الدين يشمل حفظ القرآن وحفظ السنة من التبديل أو التحريف، ولكن هذا لا يعفي المسلمين من واجب حماية الدين ومصادره واتخاذ الأسباب المناسبة لذلك، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم حين جمعوا القرآن في مصحف واحد، وكذلك أهل العلم من بعدهم في حفظ السنة وجمعها وتصنيفها من حيث القوة والضعف عن طريق الجرح والتعديل في المتون والأسانيد.

وهذا يفرض علينا العمل المتواصل وبذل الجهود وتسخير الطاقات من أجل إيجاد آليات علمية حديثة لحفظ السنة النبوية من التحريف، وتقويض الهجمات المتتالية عليها من قبل أعدائها.

5 أن تتلقى السنة من مصادرها الأصلية وبتوجيه أهل العلم المختصين بها والموثوقين بهم، لقوله تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(7)  وذلك من أجل أخذ الصحيح منها وترك الضعيف، وقد سخر الله تعالى كوكبة من العلماء في الماضي والحاضر لخدمة السنة النبوية في وضع القواعد والضوابط التي تحافظ على سلامة الحديث النبوي، فيما يتعلق بالإسناد وطرقه ومعرفة الرواة ووضع قواعد الجرح والتعديل من أجل الثقة من غيره، وهكذا. كل ذلك من أجل الحفاظ على السنة من التحريف. وقد ألّف هؤلاء العلماء مئات الكتب التي تعنى بالسنة النبوية حتى صارت علمًا مستقلاً بذاته، وأنشأت لها مراكز علمية متخصصة وكليات ومعاهد في أنحاء مختلفة من العالم.

وأسأل الله تعالى أن يرزقنا شرف خدمة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وشرف الدفاع عنها بالقول والعمل، وصلى الله وسلم على ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

المشرف العام على الموقع

 

 

 


 

(1)        صحيح البخاري، رقم3461، ص582.

(2)        جامع الترمذي، رقم2658، ص603.

(3)        سورة الحشر، الآية 7.

(4)       سورة النساء، الآية 65.

(5)       صحيح البخاري، برقم7280، ص1252.

(6)       سورة الحجر، الآية 9.

(7)       سورة النحل، الآية 43.



بحث عن بحث