المبحث الأول: الإحسان مع الوالدين (1-11)
1-لقد وردت نصوصٌ كثيرةٌ في الكتاب والسنة في بيان حقوق الوالدين، والحث على برهما والإحسان إليهما، قال تعالى: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾(1) .
قال الإمام القرطبي: «أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين، مقرونًا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره، فقال: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾، وقال: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾(2) وفي صحيح البخاري عن عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْن» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله»(3). فأخبر صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام، ورتب ذلك بـ«ثم» التي تعطي الترتيب والمهلة«(4)
وقال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾(5) .
قال القرطبي : أيضًا: «قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان، والتزام البر والطاعة له والإذعان, من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته، وشكره بشكره, وهما الوالدان, فقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾«(6)
وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(7) .
2-والإحسان للوالدين من الوصايا العشر التي ذكرت في الأنعام في قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾(8) .
3-وكما أنه من المواثيق التي أخذ الله بها من بني إسرائيل، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾(9) .
4-وكما أنه من أفضل الأعمال بعد الصلاة، كما ذكر في حديث ابن مسعود السابق، فعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْن» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله«(10)
ويكون برهما والإحسان إليهما بطاعتهما فيما لا يخالف الشرع؛ لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، يقول القرطبي: «عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما«(11)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [الإسراء:23-24]
(2) [لقمان:14]
(3) صحيح البخاري، كتاب: الأدب، باب: البر والصلة، برقم:(2782)، ورواه مسلم، كتاب: البر والصلة، باب: تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة، برقم:(85).
(4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، المجلد الخامس، (10/238). ([1]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، المجلد الثالث، (5/183).
(5) [النساء:36]
(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، المجلد الثالث، (5/183).
(7) [العنكبوت:8]
(8) [الأنعام:151]
(9) [البقرة:83]
(10) صحيح البخاري، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل الصلاة لوقتها، برقم:(527)، ورواه مسلم، كتاب: الإيمان، باب: بيان كون الإيمان باﷲ تعالى أفضل الأعمال، برقم:(85).
(11) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، المجلد الخامس، (10/238).