نماذج عملية من أخلاق رسول الله ﷺ (2-2)

ثانيًا: حلمه عليه الصلاة والسلام وعدم غضبه وتحمله، فهو أحلم الناس على الناس، يفوق الحد الذي يتصوره مخلوق في حلمه عليه الصلاة والسلام، لكن هذا الحلم ينقلب إلى غضب محكم إذا انتهكت محارم الله تعالى، ومن حلمه ما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ وهو يقسم قسمًا، إذ أتاه ذو الخويصرة – رجل من بني تميم– فقال: يا رسول الله! اعدل. فقال رسول الله ﷺ: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إذا لم أكن أعدل» فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال رسول الله ﷺ: «دعه«(1).

وروى أحمد : عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما ضرب رسول الله ﷺ خادمًا له قط ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله(2)، ولا خير بين شيئين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله، فيكون هو ينتقم لله«(3).

وأخرج الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن امرأة يهودية أتت رسول الله ﷺ بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله ﷺ، فسألها عن ذلك، قالت: أردت قتلك. فقال: «ما كان الله ليسلطك عليَّ أو قال: على ذلك، قالوا: ألا تقتلها؟ قال: لا«(4).

ثالثًا: كرمه وجوده وخاصة في شهر الصوم، فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان  حين يلقى جبريل عليه السلام، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، قال: فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة«(5).

وأخرج الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «ما سئل رسول الله ﷺ شيئًا قط، فقال: لا«(6).

وأخرج البخاري عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ ببردة فقالت: يا رسول الله! جئتك أكسوك هذه، فأخذها رسول الله ﷺ وكان محتاجًا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله! ما أحسن هذه! اكسنيها. فقال: «نعم»، فلما قام رسول الله ﷺ لامَه أصحابُه وقالوا: ما أحسنت حين رأيت رسول الله ﷺ أخذها محتاجًا إليها ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئًا فيمنعه، قال: والله ما حملني على ذلك إلا رجوت بركتها حتى لبسها رسول الله ﷺ لعلي أكفن فيها(7).

هذه صور ونماذج حية من كريم أخلاقه، وعظيم شمائله ﷺ، فحري بالمسلم أن يتمثل هذه الأخلاق، ويقتفي أثر هذه الصفات، ليتحلى بها، فيفوز بمنقبة الاقتداء بسمته، والاهتداء بهديه ﷺ، رزقنا الله تعالى ذلك، إنه سميع مجيب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (3610)، ومسلم (1064) .

(2) أخرجه أحمد (6/31، 206، 229، 281)، وأبو داود (4786) .

(3) أخرجه البخاري (3560)، ومسلم (2327) .

(4) أخرجه البخاري (2617)، ومسلم (2190) .

(5) أخرجه البخاري (3554)، ومسلم (2308) .

(6) أخرجه البخاري (6034)، ومسلم (2311) .

(7) أخرجه البخاري (6036) .



بحث عن بحث