هدي الرسول  في قيام الليل (4-4)

فعلى المسلم أن يجتهد غاية الاجتهاد في تحصيل شيء من الليل ليقومه، فيناجي ربه ويدعوه خوفًا وطمعًا، فيقتدي بمن سلف من الأمة، يرجو اللحاق بهم، ومما يعين على ذلك عمل الأسباب المشروعة، ومن ذلك:

oقلة الأكل في الليل وعدم الإكثار منه، قال عون بن عبد الله: كان قيم لبني إسرائيل يقوم عليهم إذا أفطروا، فيقول: لا تأكلوا كثيرًا، فإن أكلتم كثيرًا نمتم كثيرًا، وإن نمتم كثيرًا صليتم قليلًا.

وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام.

وقال سفيان الثوري: عليكم بقلة الأكل تملكوا قيام الليل.

oالتوازن في العمل بالنهار، فلا يتعب الإنسان نفسه بالنهار في الأعمال، ومن ثم تضعف الأعصاب والجوارح، فإن ذلك يتطلب نومًا كثيرًا ولا يستطيع القيام.

oومن الأسباب المعينة على قيام الليل: الاستعانة بالقيلولة في النهار، فقد روى الطبراني وغيره عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «قيلوا فإن الشيطان لا تقيل»(1).

oومن ذلكم: ترك المعاصي والذنوب، فإنها مهلكة مانعة من الطاعات، مقسية للقلب، حاجبة عن الخير، قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد! إني أبيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعد طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال له الحسن: ذنوبك قيدتك.

وقال سفيان الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بسبب ذنب أذنبته، قيل: وما هو؟ قال: رأيت رجلًا يبكي فقلت: هذا مُراءٍ.

oومن الأسباب أيضًا: طيب المطعم، فإن له أثرًا على الجسم، والله سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبًا(2).

oومن الأسباب أيضًا: ترك السهر بعد العشاء، فقد كان النبي ﷺ يكره النوم قبلها والحديث بعدها، ولا شك أن للسهر أثرًا عظيمًا في عدم القيام؛ إذ إن الإنسان بعد هذا السهر يكون بحاجة شديدة إلى راحة عميقة.

oومن الأمور المعينة على قيام الليل: سلامة القلب من الحسد والحقد والبغض للمسلمين، وتنظيفه وتطهيره من جميع الأوساخ والأدران، وغرس المحبة والمودة والرحمة بهم.

oومنها أيضًا: استشعار محبة الله تعالى وعظمته سبحانه وتعالى، فإن ذلك مشجع للنفس وحافز بأن تسلك السبيل الموصلة إليه سبحانه.

oومن أعظم الأسباب وأكثرها نفعًا: كثرة الدعاء والمناجاة لله سبحانه بأن ييسر له سبل الطاعة، ومنها قام الليل، فما استعان عبد على قضاء حاجته بمثل الدعاء، والله جل وعلا يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(3).

فينبغي على كل مسلم أن يحرص على هذه الأسباب، ويستعين بها بعد الله عز وجل على قيام الليل، أسأل الله تعالى أن يعيننا على ذلك، إنه سميع مجيب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط (28) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4431).

(2) أخرجه مسلم (1015).

(3) [البقرة: 186]



بحث عن بحث