المرأة المسلمة ورمضان (2-2)

الوقفة الرابعة:

ومن حكمة الله تعالى في خلق الرجال والنساء: أن نظم العلاقة بينهما على أساس شرعي، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(1)، فجعل العلاقة الشرعية هي الأَساس في العلاقة بينهما، وجعل ثمرته سكنًا تتحقق به سعادة الحياة، وعمران الكون، وإنجاب الولد.

وقد أكد الدين على استقرار الحياة على هذا النحو لضمان سلامة الحياة دنيا وأخرى، فحدّ حدودًا ووضع حواجز وتكليفات تمنع ما يتسرب إلى تلك العلاقة فيفسدها، فجعل من أولويات هذه الحدود: الفصل بين الرجال والنساء وعدم اختلاطهم؛ لئلا تغلب قوة الجاذبية الفطرية فتفسد بينهما، وعليه فقد أمر الله سبحانه وتعالى المرأة المسلمة بالحجاب، وجعل الأَصل في حياتها: القرار في البيت، وعدم اختلاطها بالرجال، وأن لا تبدي زينتها.

اسمعي أيتها المسلمة قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ}(2)، وهذا يشير إلى أصل مهم وقاعدة كبيرة: أن وظيفة المرأة الأساسية التي تحفظ بها إنسانيتها وكرامتها وعزها، والتي من خلالها تقوم بدورها الأساس، ومهمتها السامية، وتنفذ مسؤوليتها: هو البيت، يقول الرسول ﷺ فيما صح عنه: «كلكم راعٍ وكلم مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولية عن رعيتها«(3)

وقد أحسن الشاعر إذ قال – واصفًا – دور المرأة الأساس إذا قامت به وأحسنته:

      الأم مــدرســة إذا أعـددتهـا  ***    أعـددت شـعبًا طـيب الأعـراق

وإن هذا الدور الجليل الذي تقوم به المرأة لتخرج الأجيال الصالحة النافعة من العلماء والأفذاذ، والمهندسين والأطباء، والقادة والعاملين، والدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولتخرج البنات الصالحات الواعيات المؤمنات.

إن هذا الدور الرائد لا يلغي ما تستطيعه المرأة المسلمة من أعمال أخرى لا تؤثر على عملها الأساس، فقد منح الله المرأة القدرة على الاندماج السريع مع النساء الأخريات، ومن هذا الاندماج تستطيعين أن تدعين إلى الخير، وتنشرين الحق والفضيلة بين أخواتك المسلمات.

ومما وهبه الله تعالى للمرأة: القدرة على التغلغل في أعماق الرجل والتأثير عليه، وهذا ما يلقي عليك مسؤولية تجاه زوجك خاصة، ومحارمك بعامة، نحو ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، فبالصدق والإِخلاص، والحكمة والأسلوب الهادئ، وما تمنحينه زوجك من حب وسكن، تستطيعين أن تعيني زوجك على الخير وتحضيه عليه.

الوقفة الخامسة:

لقد وعى أعداء الإسلام دور المرأة  المهم ومقامها الكبير، فسعوا بما يملكونه من قدرات وحيل إلى إشغالها وتدمير شخصيتها بكل طريق، وما زالوا يحاولون أن يخدعوها ويخلبوا لبَّها بالفتن المغرية التي تستهوي المرأة عادة، من خلال وسائل الإِعلام وعروض الأزياء، وصور الحياة النسائية المتحررة من الفضيلة ونحو ذلك، فلتحذر المرأة المسلمة أن يخدها أولئك الأَعداء وإن لبسوا ثياب الزينة الخدَّاعة، وتحلوا بالألفاظ البرَّاقة.

فاحذري – أيتها المؤمنة الصائمة – أن تركني ولو شيئًا قليلًا إلى ما تمليه عليك تلك الاتجاهات الباغية الضالة، فإن في هذا الركون الخسارة والعار والبوار، وقاك الله كيد الكائدين.

ورمضان بخصوصياته الإِيمانية، وأعماله الجليلة، والتي للمرأة نصيب كبير منها؛ يوجه المرأة ألَّا يكون همها في هذا الشهر مقتصرًا على النوم الطويل، والتفنُّن في المآكل والمشارب تضاهي الأخريات فيه، أو على السهرات غير المفيدة في الأَسواق وغيرها، فاجعلي رمضان مُنْطَلَقًا لأَعمال الخير المتعددة، ولتجديد دورك الرائد في الحياة كلها من قراءة وذكر ودعاء وتربية ودعوة إلى الخير، واملئي وقتك بذلك كله حتى حال حدوث عارض الحيض والنفاس، فاشغليه بغير ما منعت منه، فقد منعت من الصلاة والصيام، أما أعمال الخير الأخرى فمفتوحة والحمد لله.

أسأل الله تعالى أن يدلنا على الخير وأن يرزقنا العمل به، وأن يصلح نساءنا ونساء المسلمين في كل مكان، وأن يحميهن من كيد الكائدين وحيل العابثين، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الروم: 21]

(2) [الأحزاب: 33]

(3) رواه البخاري مع الفتح (2/380) (893) في الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، ومسلم (3/1459) (1829) في الإمارة، باب فضيلة الإِمام العادل.



بحث عن بحث