رمضان والصبر (2-2)

الوقفة الثالثة:

لا شكَّ أن طاعة الله تعالى وتنفيذ أوامره تحتاج إلى صبر عليها؛ لأَن منها ما تنفر عنده النفس بسبب الكسل كالصلاة، أو سبب البخل كالزكاة، أو بسببهما جميعًا كالحج والجهاد، أو بسبب ضعف النفس أمام شهواتها كالصيام، وهكذا فكل عبادة لله سبحانه وتعالى يتم فيها فعل تحتاج إلى عزيمة وصبر.

ولا شكَّ أيضًا أن عزيمة النفس تجاه المعاصي بأنواعها، وبخاصة ما تميل إليه النفوس وترغبه وتهواه- ولو كان في ذلك مضرة لها – بحاجة إلى صَدٍّ لهذه النفس وإرغامها على تركها، والنفس بطبيعتها ميالة إلى رغباتها وشهواتها، وقد تنجُّروا أشياء محرمة ومكروهة، فما أحوج المؤمن إلى إرغام نفسه بترك هذه الشهوات المحرمة والمكروهة، وما أحوجه إلى الصبر عنها، وبخاصة ما يقل على النفس كالغيبة والكذب والمراء، والثناء على النفس تعريضًا وتصريحًا، والازدراء والسخرية والاحتقار، والحرص على المال والجاه، وغيرها.

أيها المسلم الكريم:

والإِنسان في هذه الحياة لا يدري ما يعترضه من أقدار الله سبحانه التي لا تقع باختياره، من الأمراض المؤلمة، وموت القريب أو الصديق، واجتياح المال، وغير ذلك مما يقدره الله سبحانه وتعالى لحكمة يعلمها، يبتلي عباده بذلك {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}(1)، والنفس تميل إلى التسخط والجزع والاعتراض على المقدور، وهذا بلا شك يحتاج إلى مقاومة ومجاهدة بالصبر والرضى، وأن يعلم المؤمن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن هذا المقدَّر عليه ابتلاء من الله سبحانه وتعالى لينظر إلى تعامله معه، فالمؤمن هو الصابر الراضي الشاكر لربه، الذي إذا أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.

واعلم – أخي المسلم الكريم – أن الطاعات بأنواعها، والارتباط بالخالق في فعل أوامره وترك نواهيه، وتذكر فضيلة الصبر والشكر، والتأمل في المخلوقات وما يصيبها، واستحضار عظمة الله تعالى وقدره وما أعده للصابرين، كل ذلك معين لك على التحمل والصبر بإذن الله تعالى، لا حرمنا الله وإياك ذلك.

الوقفة الرابعة:

ليعلم الصابرون بأن ثمار صبرهم لا تحدّ بحدود معينة، فأجرهم مضاعف بغير حساب، اسمعوا قوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(2)، وقوله سبحانه: {أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}(3)، وقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(4)، ومن صبر كان الله معه، ومن كان الله معه فمعه الفلاح والفوز في الدارين: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(5)، ويقول سبحانه: {أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(6)، والصابرون أئمة بصبرهم، يقول سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}(7).

وليعلم المسلم الكريم أن هذه الأمور لا تُنال إلا بالمثابرة والجد والاجتهاد والعزيمة والإِرادة:

لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله  ***لـن تبلغ المجـد حتى تلعق الصبرا

هذه أمثلة لثمار الصبر اليانعة في الدنيا والآخرة.

الوقفة الخامسة:

إن رمضان المبارك يذكّرك بنعم الله تعالى الجسيمة وآلائه العديدة التي أنعم بها عليك، فلتجاهد نفسك وتصبرها على طاعة الله، ألا ترى المستشفيات وما فيها من المرضى ممن يحتاج إلى من يواسيهم فتحمد الله على السلامة والعافية؟ أوَ لا ترى مَنْ تحت الثرى وقد فقدهم أحباؤهم فتذكر نعمة وجودك بين أهلك وأطفالك؟ أوَ لا ترى أولئك المشرّدين اللاجئين الذين فقدوا أموالهم وأوطانهم فتعرف نعمة الأَمن وتحمد الله سبحانه وتعالى وتشكره؟

واعلم – أخي المسلم – أن كل مصاب ففي الناس من هو أكبر منه مصيبة فتهون مصيبته أمامه، فخذ من شبابك لهرمك، ومن صحتك لمرضك، ومن غناك لفقرك، ومن حياتك لموتك، جعلني الله وإياكم من الصابرين في البأساء، الشاكرين في السراء، كما نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الملك: 2]

(2) [النحل: 96]

(3) [القصص: 54]

(4) [الزمر: 10]

(5) [البقرة: 153]

(6) [البقرة: 157]

(7) [السجدة: 24]



بحث عن بحث