صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنه

عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه َقَالَ: ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ " اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي " فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ" لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّ{يْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ " وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَرَأَ: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }و{ َقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ : { إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } " أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ" فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ " ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقَالَ" لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً " فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ" دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ " وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا قَالَ فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ" صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ ؟" قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ قَالَ " فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ " قَالَ فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً قَالَ فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ " إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟" قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ " اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى " أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ " كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنْ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ " انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ " فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ ) رواه الإمام مسلم في صحيحه .

معاني الكلمات

أذّن : أعلم .

ذا الحليفة : ميقات أهل المدينة وتعرف الآن بأبيار علي وهي مكان بينه وبين المدينة نحو تسعة أميال وبينه وبين مكة عشر مراحل وسمي بذي الحليفة لكثرة هذا الشجر فيه وهي شجرة الحَلْفَاءِ وهي معروفة .

واستثفري بثوب : يعني تتعصب به وتشد عليها ثوبا حتى لا يخرج شيء من هذا الدم .

القصواء : هو لقب ناقته صلى الله عليه وسلم .

استوت به على البيداء : يعني علت به على البيداء، والبيداء جبل صغير في طرف ذي الحليفة.

وهو يعرف تأويله : المراد بالتأويل هنا التفسير فإن أعلم الخلق بمعاني كلام الله تعالى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثم أهل بالتوحيد : أي رفع صوته بالتوحيد قائلا: « لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك » سـماها جابر رضي الله عنه  توحيداً لأنـها تضمنت التوحيد والإخلاص .

لبيك :كلمة إجابة ، وتأتي بمعنى الإقامة من قولهم ألبَّ بالمكان : أي أقام فيه ، فهي متضمنة للإجابة والإقامة. الإجابة لله والإقامة على طاعته .

لبيك اللهم لبيك : المقصود بالتكرار مطلق التكثير أي: مطلق العدد وليس المراد مرتين فقط ؛  ولهذا قال النحويون: إنها ملحقة بالمثنى وليست مثنى حقيقة لأنه يراد بها الجمع والعدد الكثير.

لا شريك لك : لا شريك لك في كل شيء وليس في التلبية فقط ، أي: لا شريك لك في ملكك ولا شريك لك في ألوهيتك ولا شريك لك في أسمائك وصفاتك ولا شريك لك في كل ما يختص بك .

ومنها إجابتي هذه الإجابة فأنا مخلص لك فيها، ما حججت رياءً ولا سمعة ولا للمال ولا لغير ذلك إنما حججت لك ولبَّيت لك فقط .

الحمد: هو وصف المحمود بالكمال محبةً وتعظيماً ، ولا يمكن لأحد أن يستحق هذا الحمد على وجه الكمال إلا الله عز وجل .

النعمة : أي الإنعام ، فالنعمة لله .

استلم الركن : أي الحجر الأسود . وأطلق عليه اسم الركن لأنه في الركن، والاستلام : المسح ويكون باليد اليمنى لأن اليد اليمنى تقدم للإكرام والتعظيم .

فرمل ثلاثاً : الرمل هو سرعة المشي مع مقاربة الخطا. وثلاثاً : أي ثلاثة أشواط .

مقام إبراهيم : هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يرقى عليه لما ارتفع جدار الكعبة.

مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ  : الشعائر جمع شعيرة وهي النسك أو العبادة المتميزة عن غيرها بتعظيم الله عز وجل .

حتى رأى البيت : أي الكعبة .

وحّد الله : أي نطق بتوحيده ولعله قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .

أنجز وعده : بنصر المؤمنين فأنجز للرسول صلى الله عليه وسلم ما وعده .

وهزم الأحزاب وحده : الأحزاب جمع حزب وهم الطوائف الذين تحزبوا على الباطل وتجمعوا عليه،

فهزمهم الله وحده بغير قتال من الآدميين .

حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى : بطن الوادي هو مجرى السيل ومكانه ما بين العلمين الأخضرين الآن وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مسيل المياه النازلة من الجبال وسعى : أي ركض ركضاً شديداً حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي.

حتى إذا صعدتا : يعني ارتفع عن بطن الوادي .

صبيغاً : أي ثوباً مصبوغا جميلاً وكأنها متهيئة لزوجها رضي الله عنهما.

محرشاً : التحريش في الأصل التهييج والإغراء كما يحرش بين البهائم ، والمراد هنا أن يذكر له ما يقتضي عتابها . فذهابه للنبي صلى الله عليه وسلم لغرضين الغرض الأول التحريش على فاطمة رضي الله عنها لماذا تحل، والثاني الاستفتاء هل عملها صحيح أو غير صحيح ؟

جماعة : أي مجموع الهدي .

فلما كان يوم التروية : يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة وسمي بذلك لأن الناس يتروون فيه الماء لما بعده يعني يستسقون فيه الماء ليوم عرفة وأيام منى.

منى : اسم مكان معروف وسميت بهذا الاسم لكثرة ما يمنى فيها من الدماء. أي: يراق من الدماء . 

بنمرة : هي قرية قرب عرفة .

فأجاز حتى أتى عرفة : أجاز بمعنى تعدى يعني جاوز مزدلفة إلى عرفة.

فوجد القبة : القبة خيمة من صوف أو غيره ضربت للرسول صلى الله عليه وسلم فنزل بها واستراح.

حتى إذا زاغت الشمس : بمعنى مالت إلى الغرب .

فرحلت له : بتخفيف الحاء أي جعل رحلها عليها .

فأتى بطن الوادي : يعني وادي عرنة ، وليست عرنة من أرض عرفات .

ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع : يعني موضوع تحت القدم وهذا كناية عن إبطاله وإهانته .

ودماء الجاهلية موضوعة : أي الدماء التي حصلت بين أهل الجاهلية كلها موضوعة لا حكم لها ولا قصاص ولا دية ولا شيء.

فإنكم أخذتموهن بأمان الله : أي أمانة عندكم لا يجوز الغدر فيها ولا الخيانة.

أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه : ألا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلا أجنبيًا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة، وهذا من حق الزوج على زوجته .

ضربا غير مبرح : أي غير شديد ولا جارح لجسدها، بل هو ضرب خفيف يحصل به التأديب وبيان سلطة الرجل عليها.

بالمعروف : أي بما يتعارفه الناس مما يكون على الزوج الغني حسب غناه والفقير حسب فقره.

ثم أذن ثم أقام : يعني أمر بالأذان وكذلك في الإقامة.

وينكتها إلى الناس : قيل : صوابه ( ينكبها ) ومعناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيرا إليهم.

فصلى الظهر : وكان ذلك يوم جمعة ولكن لم يصل الجمعة لأنه ليس من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم الجمعة في السفر .

ولم يصل بينهما شيئا : لأنه ليس من المشروع أن يتطوع الإنسان براتبة الظهر في السفر ولهذا ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم راتبة الظهر التي بعدها كما لم يصل التي قبلها.

فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات : يعني يلي الصخرات ، وهن صخرات مفترشات في أسفل جبل عرفة .

وجعل حبل المشاة بين يديه : حبل المشاة طريقهم الذي يمشون معه وسمي حبلا لأنه كان رملا والأقدام تؤثر فيه فالطريق الذي أثرت فيه الأقدام كأنه حبل .

فلم يزل واقفا : المراد بالوقوف هنا  المكث ، لا الوقوف على القدمين ، فالقاعد يعتبر واقفاً والوقوف قد يراد به السكون لا القيام ومعلوم أن الراكب على البعير جالس عليها ليس واقفاً عليها.

وذهبت الصفرة قليلاً : يعني لم تذهب نهائيا بل ذهبت قليلا لأنه إذا غابت الشمس واستحكم غروبها قلت الصفرة.

وقد شنق للقصواء الزمام : يعني خنقه وضيقه وجذبه لكيلا تسرع .

 حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله : مورك الرحل هو الذي يضع الراكب رجله عليه إذا تعب أو ملّ من الركوب .

السكينة السكينة : أي الزموا السكينة يعني لا تسرعوا ولا تعجلوا . والسكينة هي الرفق والطمأنينة.

وكلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد الحبال : جمع حبل ، وهو التل اللطيف من الرمل الضخم . والمعنى : إذا أتى دعثاً أو رملاً أرخى لها قليلاً حتى تصعد رأفة بالبعير لأنه لو شنق لها الزمام وأمامها شيء مرتفع وفيه شيء من الدعث والرمل صعب عليها فيرخي لها النبي صلى الله عليه وسلم قليلا حتى تصعد.

المزدلفة : المزدلفة من الازدلاف وهو القرب وتسمى جمعاً لأن الناس يجتمعون فيها بعد الوقوف بعرفة.

المشعر الحرام : هو جبل معروف في المزدلفة ، يقال له قزح، وهو المكان الذي فيه المصلى الآن في مزدلفة وسمي مشعراً حراماً لأنه داخل الحرم ،وقيل : المشعر الحرام كل المزدلفة .

ولم يسبح بينهما شيئاً : أي: لم يتنفل بينهما بشيء ، والصلاة تسمى تسبيحاً من باب إطلاق البعض على الكل .

ثم اضطجع حتى طلع الفجر: أي نام عليه الصلاة والسلام حتى طلع الفجر .

حتى أسفر جدا : يعني إسفاراً بالغاً ليس مجرد إسفار بل انتشر السفر وبان وظهر.

ظعن : بضم الظاء والعين ويجوز إسكان العين جمع ظعينة ، وأصل الظعِينة البعير الذي عليه امرأة ، ثم تسمى به المرأة مجازا لملابستها البعير .

حتى أتى بطن محسر : محسر واد يفصل بين مزدلفة ومنى . سمّي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيي وكّل .

فحرك قليلاً : يعني حرك ناقته عليه الصلاة والسلام .

حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة : وهي الكبرى ، وهي شجرة معروفة في ذلك الزمن لكنها الآن ليست موجودة.

كل حصاة منها مثل حصى الخذف : حصى الخذف حصى صغير ليس بكبير ، والخذف: هو أن تجعل الحصاة على ظفر الإبهام وتجعل فوقها السبابة. وقدر العلماء رحمهم الله بأنه بين الحمص والبندق.

رمى من بطن الوادي : أي رمى الجمرة من بطن الوادي لا من الجبل ، وكانت جمرة العقبة فيما سبق قبل هذه التوسعة والتعديلات كانت في سفح جبل وتحتها وادٍ هو مجرى الشعيب وفوقها جبل لكنه ليس بالرفيع وهي لاصقه في نفس الجبل . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم من بطن الوادي ورماها ولم يأتها من فوق ؛ وعلى هذا تكون السنة أن يرميها من هذه الجهة فيجعل مكة عن يساره ويجعل منى عن يمينه .

فنحر ما غبر :  أي نحر الباقي .

ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت : أي نزل إليه فطاف به سبعة أشواط  ولم يسع بين الصفا والمروة لأنه كان قارنا وقد سعى بعد طواف القدوم .

انزعوا بني عبد المطلب :  استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء .

فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم : لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الاستقاء .

 



بحث عن بحث