رمضان شهر القرآن (1-10)

مطلوب الله من عباده تجاه القرآن الكريم :

ولهذا أمرنا الله بتدبر القرآن، والتفكر في آياته، والعمل بما فيه، والمداومة على تلاوته، وحسن الاستماع له كما قال سبحانه: ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [الأعراف: 204].

إن الاستماع لهذا القرآن والإنصات له هو الأليق بجلال هذا القول، وبجلال قائله سبحانه.

وإذا قال الملك الجبار الرحمن الرحيم كلاماً يوجه فيه عباده إلى ما ينفعهم ويحذرهم مما يضرهم، ويعرفهم بعظمته وجلاله، ويذكرهم بآلائه ونعمه، أفلا يستمعون وينصتون لعلهم يرحمون؟.

ألا ما أعظم خسارة البشرية حين يعرضون عن هذا القرآن الكريم.

إن الآية الواحدة منه لتصنع أحياناً في النفس حين تستمع له وتنصت أعاجيب من الانفعال والتأثر والاستجابة، والطمأنينة والراحة، ما لا يدركه إلا من ذاق ذلك وعرفه: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) [الأنفال: 2].

لقد حاول أعداء هذا الدين أن يصرفوا الناس عن هذا القرآن نهائياً منذ نزوله إلى يومنا هذا كما قال سبحانه: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) [فصلت: 26].

فلما عجزوا حولوه إلى تراتيل يترنم بها القراء، ويطرب لها المستمعون، ولم يعد القرآن في حياة الناس هو مصدر التوجيه والاتباع.

فقد صاغ لهم أعداء الدين أبدالاً منه، يتلقون منها التوجيه في شئون الحياة كلها ، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون: ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) [البقرة: 85].

ولكن القرآن ما يزال يعمل من وراء كيد هؤلاء الأعداء، وسيظل يعمل؛ لأن الله تكفل بحفظه، وسينصر أهله ما حكموه في حياتهم، ويهلك أعداءهم: ( فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) [القلم: 44، 45].

والقرآن الكريم كتاب كامل شامل، أنزله الله ليكون منهج حياة للبشرية إلى يوم القيامة.

ومن يدرك القرآن على حقيقته لا يخطر بباله أن يطلب سواه، أو يطلب تبديل بعض أجزائه.

لكن الذين يجهلون حقيقة القرآن ولا يرجون لقاء الله يطلبون طلباً عجيباً: ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) [يونس: 15].

فالقرآن الذي أنزله خالق الكون كله وما فيه، وخالق الإنسان هو الحق الذي لا حق سواه؛ لأن الله أعلم بما يصلح الإنسان، فما يكون للرسول ولا يحق له ولا لغيره أن يبدله من تلقاء نفسه.

وإنْ هو إلا مبلغ للوحي من ربه ومتبع له، وكل تبديل فيه أو تحريف معصية وراءها عذاب يوم عظيم.

وهذا القرآن العظيم بما فيه من الآيات والمعجزات .. والأخبار والأوامر .. وتنظيم حياة البشر .. وبيان طبيعة البشر .. وطبيعة الحياة .. وطبيعة الكون وتصريفه وتدبيره .. وأحوال اليوم الآخر وقصص الأنبياء مع أممهم .. كل ذلك لا يمكن أن يكون مفترى من دون الله.

لأن قدرة واحدة هي التي تملك الإتيان به هي قدرة الله عزَّ وجلَّ، القدرة المطلقة التي تحيط بالأوائل والأواخر، والظواهر والبواطن، وتضع المنهج الكامل المبرأ من النقص والقصور، ومن آثار العجز والجهل: ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [يونس: 37].



بحث عن بحث