فضائل تلاوة القرآن الكريم (1-1)

 

فضائل تلاوة القرىن الكريم كثير ومباركة ، تعود بالخير على صاحبها في الدنيا والآخرة ، ولو يعلم المسلمون ما في التلاوة من الفضائل والمغانم  لما تركوا كتاب الله تعالى من بين أيديهم ، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار ، والحديث عن أهم هذه الفضائل في السنة النبوية نتناوله في المطالب الآتية .

تلاوة القرآن تجارة رابحة

يقول الله تعالى : ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور )[ سورة فاطر /29 ــ 30 ]

فهذا ثناء من الله تعالى على قراء القرآن العظيم ، قال الإمام القرطبي :" هذه هي آية القراء العاملين العالمين "(1).

وكان مطرف بن عبد الله ــ رحمه الله ــ إذا قرأ هذه الآية يقول :" هذه آية القراء (2).

وجاءت صفة التجارة الرابحة بأنها ( لن تبور ) أي : لن تهلك بالخسران أصلا ، للدلالة على أنها ليست كسائر التجارات الدنيوية الدائرة بين الربح والخسارة ، لأنه اشتراء باقٍ بفان ، والاخبار بأنهم يرجون ذلك من أكرم الأكرمين ، وعد مقطوع ومضمون بحصول مرجوهم (3).

فهذه تجارة من أجل التجارات ، وأعلاها ، وأفضلها ، ألا وهي رضا الرحمن جل جلاله ، والفوز بجزيل ثوابه ، والنجاة من سخطه وعقابه (4).

وعن عبد الله ابن مَسعُودِ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( مَن قرَأَ حَرفًا من كِتَاب اللهِ، فَلَهُ بِهِ حَسَنَة، وَالحَسَنَةُ بِعَشرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ آلم حَرفٌ، وَلَكِن أَلِفٌ حَرف، وَلامٌ حَرف، وَمِيمٌ حَرف )(5)  

قال المباركفوري :" والحرف يطلق على حرف الهجاء ، والمعاني ، والجملة المفيدة ، والكلمة المختلف في قراءتها ، وعلى مطلق الكلمة "(6).

والحديث فيه التصريح بأن قارئ القرآن له بكل حرف منه حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، ولما كان الحرف فيه يطلق على الكلمة المتركبة من حروف أوضح صلى الله عليه وسلم أن المراد هنا الحرف البسيط المنفرد ، لا الكلمة وهذا أجر عظيم وثواب كبير، ولله الحمد.

ولو أجرينا معادلة يسيرة في سورة الفاتحة، ونظرنا إلى عدد حروفها ومضاعفة المجموع عشر مرات، مع ما تأخذه من وقت لقراءتها، لرجونا أن يكون صاحبها أحد الاثنين الذين جاء ذكرهم في قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالاً، فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ) (7)

أيهما أفضل: القراءة من المصحف أو عن ظهر قلب؟

تلاوة القرآن في المصحف عبادة، كما أن قراءة القرآن عن ظهر قلب عبادة أيضاً، ولكن أيهما أفضل عند العلماء؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله تعالى.

عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( مَن سَرَّهُ أن يُحب الله ورسوله، فَليقرأ في المُصحَف) (8).

وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "أديموا النظر في المصاحف" (9).

وعن عبد الله قال: "تعاهدوا هذه المصاحف -وربما قال: القرآن- فلهو أشد تفصيًا من صدور الرجال من النَّعَم من عُقُلِه"(10).

وعن يونس قال: "كان خُلُقُ الأولين النظر في المصاحف"(11).

قال الإمام النووي -رحمه الله-: "قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب؛ لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة، فتجتمع القراءة والنظر هكذا.

قال القاضي حسين من الشافعية، وجماعات من السلف، ونقل الغزالي في "الإحياء" أن كثيرين من الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يقرءون من المصحف، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف؛ وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من السلف، ولم أرَ فيه خلافًا؛ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر القلب، ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه؛ ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف -لكان هذا قولًا حسنًا، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل (12).

قلت: ولعل القول بالقراءة من المصحف مقدم على القراءة حفظًا؛ لكثرة الأدلة وقوتها في ذلك، وثانيًا دفعًا للخطأ واللحن، وأقوى للحفظ والاستذكار، مع الثواب في ذلك .

____________

(1) تفسير القرطبي ( 14 / 345 ).

(2) انظر : تفسير ابن كثير ( 6 / 567 ).

(3) تفسير أبي السعود 7 / 151 .

(4) انظر : تفسير السعدي ( 4 / 217 ) .

 (5) أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء فيمن قرأ حرفًا من القرآن ( 2910 )، وقال الترمذي: حَدِيث حَسَن صَحِيح، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6469).ـ

(6) تحفة الأحوذي ( 8 / 182 ) .

(7) أخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب اغتباط صاحب القرآن (5026)

(8) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/ 209)، وأبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي في "فضائل القرآن وتلاوته" (115)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6289).ـ

(9) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 499)، والفريابي في "فضائل القرآن" (149، 150).

(10) أخرجه أحمد (1 / 381 ) وهو صحيح .

(11) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 2 / 499 ) .

(12) التبيان في آداب حملة القرآن ص 55 .



بحث عن بحث