مشكل أحاديث إنشاء الله تعالى للنار خلقاً فيعذبهم فيها؟

(1-2 )

المبحث الأول: ذكر الحديث الذي يُوهِمُ ظاهره التعارض مع بعض الآيات:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اخْتَصَمَتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبّهِمَا فَقَالَتْ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ مَا لَهَا لاَ يَدْخُلُهَا إلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ(1) ؟ وَقَالَتْ النَّارُ: يَعْنِي أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا. قَالَ: فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، فَيُلْقَوْنَ فِيهَا فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ثَلاَثاً، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَمْتَلِئُ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ:

قَطْ قَطْ قَطْ" (2)(3).

هذا الحديث يوهم ظاهره التعارض مع بعض الآيات القرآنية من مثل قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}(4)

وقال تعالى:{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}(5).

وقال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}(6).

المبحث الثاني: بيان وجه التعارض بين الآيات والحديث.

ظاهر الآياتُ الكريمةِ نفي الظلمِ عن اللهِ تعالى، وأنَّه سبحانه لا يُعذِّبُ أحداً من خلقه إلا بعد الإعذار إليه، وقيام الحجة عليه، وهذا الذي دلَّت عليه الآيات هو محل إجماع بين العلماء، من تنزيهه سبحانه عن الظلم، أو أَنْ يُعَذِّبَ أحداً بغير ذَنْبٍ ولا حُجَّة.

وأما الحديث الوارد في المسألة فقد جاء فيه ما يُوهِمُ مُعَارَضَة هذا الأصل الذي دلَّت عليه الآيات، وهو قوله: "وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ"، وهذا اللفظ يُوهِمُ أنَّ الله تعالى يُعذِّب في النار من لا ذنب له، وهو خِلاف الآيات(7).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ـقوله: سقطهم: أي من لا يعتد بهم، والسقط من كل شيء هو ما لا يعتد به، والساقط من الرجال هو السفلة من الناس واللئيم. انظر: مشارق الأنوار، للقاضي عياض (2/ 227).ـ

(2) ـقط قط: بمعنى حسبي حسبي، وتكرارها للتأكيد، وهي ساكنة الطاء مخففة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (4/ 78).ـ

(3) ـأخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التوحيد، حديث (7449)، من طريق صالح بن كيسان، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به. ـ

(4) [النساء: 40]

(5) [الكهف: 49]

(6) [الإسراء: 15]

(7) ـانظر حكاية التعارض في الكتب الآتية: أحكام أهل الذمة، لابن القيم (1/ 1104)، وتفسير ابن كثير

(13/ 31)، وإيثار الحق على الخلق، لابن الوزير اليماني (1/ 217 - 221)، وفتح الباري، لابن حجر (13/ 446)

»»«



بحث عن بحث