تساؤل والإجابة عليه

 

 

فإن قيل قال الله تعالى: ( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )[ سورة الأنعام / 90 ] فهذه الآية قد يشم منها أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع الأنبياء، وهو ينافى ما قرر سابقاً.

فالجواب:- ( بأن هداهم من الله وهو شرعه صلى الله عليه وسلم ، أي الزم شرعك الذى ظهر به نوابك من إقامة الدين وعدم التفرقة فيه ، ولم يقل الله "بهم اقتده" وكذا قال تعالى " ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً" [ سورة النحل / 123 ] وهو الدين فهو صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع الدين، فإن أصل الدين إنما هو من الله تعالى لا من غيره – وأين هذه فى قوله صلى الله عليه وسلم "لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" فأضاف الاتباع إليه ، وأمر هو صلى الله عليه وسلم باتباع الدين لا باتباع الأنبياء – فإن السلطان الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم إلا له، فإذا غاب حكم النواب بمراسيمه فهو الحاكم فى الحقيقة غيبة وشهادة

فإنك شمس والملك كواكب               إذا ظهرت لم يبد منهن كوكب

وأنت مصباح كل فضل فما                تصدر إلا عن ضوءك الأضواء

هذا وقد حقق القطب الرازى فى حواشية على الكشاف:- "أنه يتعين أن الاقتداء المأمور به ليس إلا فى الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة : كالحلم والصبر والزهد وكثرة الشكر والتضرع ونحوها ، ويكون فى الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل منهم قطعاً ، لتضمنها أن الله تعالى هدى أولئك النبيين عليهم السلام إلى فضائل الأخلاق وصفات الكمال، وحيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بهداهم جميعاً، امتنع للعصمة أن يقال إنه لم يمتثل، فلابد أن يقال إنه صلى الله عليه وسلم قد امتثل وأتى بجميع ذلك وحصل تلك الأخلاق الفاضلة التى في جميعهم، فاجتمع فيه من خصال الكمال ما كان متفرقاً فيهم، وحينئذ يكون أفضل من جميعهم قطعاً كما أنه أفضل من كل واحد منهم، وهو استنباط حسن"

ولعله من نافلة القول أن ننقل كلام الخازن، ففيه توضيح وتفصيل لما حققه القطب الرازي.

يقول الإمام الخازن:- " احتج العلماء بهذه الآية – أى آية الأنعام السابقة – على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

بيانه: أن جميع خصال الكمال وصفات الشرف كانت متفرقه فيهم، فكان نوح صاحب احتمال على أذى قومه، وكان إبراهيم صاحب كرم وبذل ومجاهدة فى الله عز وجل، وكان إسحاق ويعقوب من أصحاب الصبر على البلاء والمحن، وكان داود عليه السلام وسليمان من أصحاب الشكر على النعمة، قال الله فيهم: "اعملوا آل داود شكراً" وكان أيوب صاحب صبر على البلاء، قال الله فيه: "إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب" وكان يوسف قد جمع الحلتين يعنى الصبر والشكر، وكان موسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة، وكان زكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد فى الدنيا، وكان إسماعيل صاحب صدق، وكان يونس صاحب تضرع وإخبات.

ثم إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بهم، وجمع له جميع الخصال المحمودة المتفرقة فيهم، فثبت بهذا البيان أنه صلى الله عليه وسلم كان أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من هذه الخصال التى كانت متفرقة فى جميعهم والله أعلم (1)

لكن قد يقال إن المزية لا تقضى الأفضلية ولذا قال أشياخنا المحققون: إنه وإن كان جامعاً لجميع ما تفرق فى غيره فتفضيله من الله لا بتلك المزايا، فقد فاقهم فضلاً ومزايا(2)  


 (1) تفسير الخازن ( 2 / 157 ) .

 (2) حاشية الصاوي ص 10 ، 11 .

 



بحث عن بحث