الإرهاص لداود عليه السلام

 

 

كان في فلسطين على عهد موسى – ومن قبل موسى – طائفة من الوثنيين، لا يؤمنون بربهم، ولا يستجيبون لدعوة رسول، وقد أراد موسى جهادهم بأمر الله، ولكن أتباعه من بني إسرائيل عصوه وقالوا له: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) [المائدة: 24].

هؤلاء الوثنيون الجبارون ظلوا على كفرهم، حتى كانت النبوة من بعد موسى – بوقت ما – لرسول آخر يدعى «شمويل».

وقد أخبر هذا الرسول أمته أن الله اختار لهم – طالوت – ملكًا عليهم وهو الذي سينهض معهم بقتال الجبارين، وقد خرج طالوت يومًا بجيشه، واستقبل الجبارين تحت قيادة ملكهم – جالوت- وحينما رأى المؤمنون جيش الكافرين في كثرته وعتاده، حسبوا حسابه، ولكنهم اعتزوا على الكثرة بمعونة الله، وقالوا: ( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ). وتهيئوا للقاء العدو، وكان في جيش المؤمنين غلام، لا عهد له بالحروب، ولا طاقة له بحمل السلاح والمقاومة، وهو غلام يرعى الغنم، ويحمل المقلاع والأحجار ليذود عن غنمه، ويجلب لها الكلأ، ويسقط أوراق الشجر ليطعمها.

نهض الغلام بمقلاعه، وقذف جالوت الملك القائد بحجر، فأصاب رأسه، وصرعه قتيلًا، ففر جيشه الكبير خوفًا من الجيش القليل، وأعز الله حينئذ طالوت، وكفى الله المؤمنين القتال، ثم حمل هذا الفتى – واسمه داود بن يسى – رأس جالوت، وذهب فخورًا بها إلى طالوت – الملك – فأعجب به، وأكبر شأنه، وزوجة ابنته، وأوصى له بالملك بعده.

ثم ظهر أن ذلك كله إرهاص لداود، إذ ظهر من حكمة الله أن اختاره للرسالة وأنزل عليه الوحي بها، وهو أول إنسان من بني إسرائيل اجتمع له سلطان الملك في الدنيا، وشرف الرسالة في الدين، وأقام الله به دينًا، ودولة.

فرمية الحجر بالمقلاع من غلام، وقتل الملك، وفرار جيشه، وانتصار المؤمنين في هوادة من غير تضحية، واندحار الجبارين في هوان بعد أن عاثوا في الأرض مفسدين زمنًا طويلاً.. كل هذه أحداث خارقة للعادة، وهي إرهاصات – ولا شك – لما تحقق لداود من شأن الرسالة.

وخاصة: بعد الذي عرفنا سابقًا من مهابة بني إسرائيل لحرب الجبارين وتخلفهم عن دعوة موسى إلى ذلك، وقولهم لموسى – عليه السلام - «إن فيها – القدس – قومًا جبارين، وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها» وقولهم أخيرًا لموسى ( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) [المائدة: 24].

وقد تحدث القرآن عن أصل القصة في سورة البقرة من آية (247) وختمها في قوله تعالى: ( فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ) [البقرة: 251]، وهو داود أبو سليمان عليهما السلام (1) .



(1)  الوحي إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم للشيخ عبد اللطيف السبكي، ص(20، 21)، ط: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (الكتاب الحادي والخمسون 1389هـ - 1969م).

 

 



بحث عن بحث