الإرهاص في حياة الأنبياء السابقين

 


حدثنا القرآن الكريم ، والسنة النبوية والتاريخ عن جملة من الإرهاصات بالنسبة لفريق من الأنبياء والرسل ، من غير استيعاب للجميع ، ولم يتوسع القرآن ولا السنة في هذا الشأن .

وحينما نستعرض ما ورد موجزا في القرآن والسنة من تلك الإرهاصات : سنراها تأخذ في القلب نصيبها من الروعة ، وتثير في النفس مباهج الإعجاب ، وتنبه الإنسان رويداً رويدا من غفلة إلى يقظة ، ومن جهالة إلى معرفة،ومن إنكار إلى إيمان يوم كانت تلك الإرهاصات في عصرها  أو بعد عصرها ، لمن لا يزالون في شقاق عن بعض الأنبياء والرسل.

وحينما يفقه الإنسان ، ويصيب الحق ... يتحقق أن تلك الإرهاصات كانت وسيلة رحيمة بالإنسان الذي تعلقت به . إذ جعله الله معدنا للخير ، لأنها تمهيد له ، وتوجيه للأنظار نحوه ، فلا يكون ظهوره بالوحي فيهم بعد ذلك : بعيدا كل البعد عن مألوفهم ، وما عهدوا فيه ــ قبل رسالته ــ من الخير ولا يستوحشون منه كما يستوحشون من غريب دخيل عليهم ، فيتجهمون له ، أو يتهجمون عليه .

وكذلك يتحقق من يفقه ، ويصيب الحق : أن تلك الإرهاصات كانت وسيلة رحيمة بالقوم : لأنها تخلق فيهم وعيا سابقا ، وتثير بينهم تفكيرا في شأنه ومناجاة فيما عهدوا من ملامحه التي لم تكن لغيره من جمهرة الناس في محيطهم .

وذلك التمهيد يقرب المسافة العقلية بينهم وبينه ، ويدنيهم أو يدني فريقا منهم إلى الاستئناس به ، ويكون هذا التمهيد سبيل التجاوب بين الداعي والمدعوين ، وأيسر على الجانبين كثيرا مما لو فاجأهم بالوحي من الله دون إرهاصات تتقدمه ، وتوقظهم من غفلاتهم .

ويوضح قولنا هذا أن الله ــ تعالى ــ جرت سنته على أن يختار نبيه أو رسوله من بين قومه ليكونوا على معرفة بشخصيته ، وعلى علم بسيرته ، وعلى خبرة بأصوله ، وبكل ما يدور حوله فيهم .

فلا يكون مريبا ولا مسترابا فيه ، ولا يكون مغموزا في نفسه ولا مغموزا فيه .

فإذا سفهوا في شأنه كان مردودا عليهم بالواقع الذي يعلمونه حقا دون أن ينزل قدره عن مكانته التي هيأها له ربه ، ولا عن كرامته التي أقامه الله عليها .

وإن تناولوه من ناحية تمسه من هذا القبيل أو من قبيل دعوته : فالله كفيل بحمايته،ويظل بتكريم الله من المصطفين الأخيار،لم يمسسه سوء القالة.

وإن أزهقوا روحه وسفكوا دمه : فإنما هو الاستشهاد في سبيل الله ، يذهب ضحيته الأخيار من عباد الرحمن ، ويبوء بإثمهم الأشرار من جنود الشيطان .

وكان المفروض بعد أن تحصل الإرهاصات لمن جعلهم الله معدن الخير أن يكون للعقول رشاد ، وللقلوب تبصر، فلا تتخلف الاستجابة المرموقة عن المقدمات المشهودة بما أرهص الله به لعبده .. ولكن الناس يختلفون في فطرتهم ، وفي ميولهم .. فمن حسنت فطرتهم واستقامت ميولهم كانوا مستهدين وقليل ما هم !

ومن عميت بصائرهم ، وانحرفت ميولهم ضلوا عن الرشد ، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله (1)  

(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) ــ بسبب شذوذهم وسوء اختيارهم ــ إلا من رحم ربك )[ سورة هود/ 117ــ 118]

وهذه أمثلة للإرهاصات التي صاحبت بعض الأنبياء السابقين .

 

 

 



بحث عن بحث