خصائص قيم الإسلام الخلقية ( 2- 10).

 

أولاً: أنها من الله تعالى (ربانية).

   الربانية: مصدر صناعي منسوب إلى الرب, زيدت فيه الألف والنون على غير قياس للمبالغة في النسب, ومعناه الانتساب إلى الرب(1).

   والرب: يطلق في اللغة على الملك والسيد والمدبر والمربي والقيم والمنعم, ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى , وإذا أطلق على غير الله تعالى أضيف فيقال رب كذا(2).

قال ابن فارس:" رب: الراء والباء يدل على أصول:

فالأول: إصلاح الشيء والقيام عليه, فالرب المالك, والخالق والصاحب والرب: المصلح للشيء, يقال رب فلان ضيعته إذا قام على إصلاحها.

والأصل الآخر: لزوم الشيء والإقامة عليه, وهو مناسب للأصل الأول.

يقال: أربّت السحابة بهذه البلدة إذا دامت.

والأصل الثالث: ضم الشيء للشيء, وهو أيضاً مناسب لما قبله, يقال للخرقة التي يجعل فيها الِقداح(3) ربابة, ومنه: الرّبب وهو الماء الكثير, سمي به لاجتماعه" (4).

   ويقصد بالربانية أن الشريعة الإسلامية – والقيم الخلقية جزء منها – من الله تعالى, مصدرها الوحي تنطلق من أوامره ونواهيه, وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) [الشورى:52], وقال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) [النساء: 163], وقال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 4].

   لذا جاءت شريعة الإسلام تامة كاملة فيها الرحمة والهدى والشفا، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57], ولا عجب في ذلك فهي من الله العليم بخلقه الخبير بما يصلحهم ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [ الملك: 14], على أنه إذا كانت الربانية في قيم الإسلام الخلقية تعني أنها من الله تعالى, فإن القيم الخلقية في غيرها من الشرائع السماوية, كشريعة التوراة وشريعة الإنجيل هي من الله تعالى, فما وجه تخصيص قيم الإسلام الخلقية بهذه الخصيصة؟.

   والحق أنه لا فرق بينها وبين قيم الإسلام الخلقية من حيث أصلها لأن الجميع وحي من الله تعالى, وعليه فهي متفقة في هذا الجانب ولا وجه لتخصيص واحد منها بهذه الخصيصة.

   بل إنه حتى مع تفاوت الشرائع السماوية واختلافها كما قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) [المائدة:48], مع هذا الاختلاف فقد" اتفقت في الدعوة إلى التوحيد وأصول العبادات والأخلاق والتهذيب النفسي"(5), كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25], وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183], وقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى *بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) [الأعلى: 14-19].

   إلا أن هذه الخصيصة مفقودة اليوم في كافة النظم والقوانين الوضعية وكذلك في التشريعات الإلهية السابقة.

   أما النظم والقوانين الوضعية فالأمر فيها ظاهر لأنها من وضع البشر, وأما التشريعات الإلهية السابقة على الإسلام فقد طرأ عليها التحريف والتبديل والزيادة والنقص, كما أخبر الله تعالى بذلك في آيات كثيرة, في مثل قوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) [المائدة: 15].

وقوله: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ  وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:78], وقوله: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) [المائدة:13].

   وبالتالي يتأكد الحديث عن الربانية في قيم الإسلام الخلقية للتنبيه على ما فقدته, أو تفتقر إليه سائر النظم والقوانين الأخرى, وما ينتج عن فقد هذه الخصيصة من خلل في ضبط الأمور وقصور في تسيير أمور الفرد والمجتمع.

 

(1) انظر: محمد النجار – ضياء السالك إلى أوضح المسالك (3 /48) طبع سنة 1401هـ, أحمد الهاشمي- القواعد الأساسية للغة العربية ص307, دار الكتب العلمية – بيروت.

(2) ابن الأثير – النهاية في غريب الحديث, (2 /179.)

ابن منظور – لسان العرب (1 /399).

(3) جمع قدح, وهو إناء يشرب به, انظر: مجمع اللغة العربية, المعجم الوسيط (2/ 717)

(4) ابن فارس, معجم مقاييس اللغة (2 / 381-383 )مختصراً.

(5) مناع القطان, التشريع والفقه في الإسلام تاريخاً ومنهجاً, ص 12-14, مختصراً مكتبة وهبة ط1 سنة1396هـ, وانظر: ابن تيمية, مجموع الفتاوى (20, /6).

 

 

 



بحث عن بحث