مصادر قيم الإسلام الخلقية(المصادر غير الأصلية)(2-5).

العرف المعتبر:

   ليس كل ما تعارف عليه الناس واعتادوه في معاملاتهم أو في سلوكهم, مقبول ومعتبر, بل منه المقبول ومنه المردود, وجملة القول أن ما يتعارفه الناس لا يخلوا من ثلاث حالات:

الأولى: العوائد التي أقرها الدليل الشرعي أو نفاها, كالأمر بإزالة النجاسات وستر العورات وإكرام الضيف, وكالنهي عن الفواحش والغش والخيانة, فهذه وإن كانت من عادات الناس وأعرافهم فهي أحكام شرعية لا تتبدل ولا تتغير باختلاف عادات الناس وأزمنتهم(1).  

الثانية: ما يعتاده الناس من أعراف مخالفة للنصوص الشرعية الصحيحة الصريحة, من فعل بعض المحرمات, كأكل الربا وشرب الخمر, أو ترك بعض الواجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فهذه أعراف فاسدة لا تجوز مراعاتها ولا الاعتداد بها.

الثالثة: ما يتعارفه الناس في معاملاتهم وأساليب خطابهم وأكلهم ولباسهم ونحو ذلك مما ليس في نفيه ولا اثباته دليل شرعي خاص, مما هو معفو عنه وتابع لمصالح الناس وحاجاتهم.

   قال شيخ الإسلام: والعادات الأصل فيها العفو ؛ فلا يحظر منها إلا ما حرَّمه الله(2).

العرف وقيم الإسلام الخلقية:

  لقد كان للأعراف في القديم سلطان على الفكر, كما كان لها هيمنة على السلوك, والقرآن الكريم شاهد لهذا كما في قوله تعالى في وصف حال المشركين وموقفهم من الرسل)إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ*قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ(((3).

   وقد كانت القوانين الوضعية وما تزال تعد العرف أحد مصادرها الرئيسة (4)

   وحيث أن الأعراف لم تكن على درجة واحدة, بل منها المقبول ومنها المردود, فقد راعت الشريعة واقع الأعراف فأقرت ما كان منها صالحاً, وتممت ما فيها من نقص, ووجهتها الوجهة الصحيحة, وألغت ما كان منها فاسداً.

   وإذا كانت الشريعة قد أرشدت فيما يتعلق بالقيم الخلقية إلى كل فضيلة, ودعت إلى كل خلق كريم بما لا مزيد عليه, فإنه لا يستغنى عن العرف في بيان حدود جملة من القيم والمقدار الواجب منها, عند إرادة القيام بها.

   ومن أمثلة ذلك: صلة القريب وزيارة الصديق وإكرام الضيف فهذه أمور مقررة في الشرع, أما حدودها فيرجع فيه إلى العرف.

فما جاء في صلة القريب:

قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)(5).

وقوله: (وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً)(6).

وقوله:( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ )(7).

وقوله: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)(8)

   إلى غير ذلك من الآيات.

   وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عما يدخل الجنة من الأعمال ويباعد عن النار, فقال: (تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة, وتصل الرحم)(9)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)(10).

   فهذه النصوص فيها أوامر مطلقة وتوجيهات عامة إلى وجوب صلة الرحم وتأكد حقها, أما الواجب في ذلك, فاجتهد العلماء في بيان بعض وجوه البر والإحسان التي يمكن أن يبذلها المسلم, دون تحديدها بحد بل يرجع في بيان المقدار الواجب وحده إلى ما تعارفه الناس واعتادوه.

   قال القاضي عياض(11)صلة الرحم واجبة بالجملة وقطيعتها معصية كبيرة ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة((12).



(1) الشاطبي, الموافقات (2 / 283) المكتبة التجارية الكبرى بمصر, توزيع دار الباز بمكة بتعليق الشيخ عبد الله دراز.

(2) ابن تيمية – مجموع الفتاوى (29 / 17).

(3) سورة الزخرف الآيتين (23-24).

(4) منصور علي رجب, تأملات في فلسفة الأخلاق ص 279مكتبة الانجلو المصرية ط3 سنة 1961م.

(5) سورة النحل (90).

(6)سورة الإسراء (26).

(7)سورة النساء (1).

(8)سورة النساء (36).

(9) متفق عليه

(10) أخرجه البخاري, ابن حجر – فتح الباري (10 / 532.)

(11) عياض بن موسى اليحصي السبتي أبو الفضل عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته توفي سنة 544 هـ وكان مولده سنة 476 هـ, شذرات الذهب( 4/139 ), الأعلام (5/99).

(12) صحيح مسلم بشرح النووي (5 / 421).

 



بحث عن بحث