آثار قيم الإسلام الخلقية في علاقة السلم والحرب (4- 9)

 

د – مشروعية كفاية المحتاجين منهم من بيت مال المسلمين , وعلى هذا سار الخلفاء الراشدون , فقد جاء في كتاب خالد بن الوليد رضي الله عنه لأهل الحيرة بالعراق – وكانوا نصارى – والذي أرسله إلى الصديق رضي الله عنه: " وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات, أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه, طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام(1)" .

وهكذا فقد بذر الإسلام معاني الرحمة وحب الخير للناس جميعا في نفوس المؤمنين, وبذلك تأهلوا لقيادة ركب البشرية والسير بها إلى سعادة الدنيا قبل الآخرة , والتخفيف عليها من شدائد الحياة وتقلبات الزمان وتغيرات الأحوال .

ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بباب قوم وعليه سائل , شيخ كبير ضرير البصر, فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت ؟ فقال: يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. فأعطاه عمر شيئا من بيته, ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: أنظر هذا وضرباءه, فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم, وأمر بوضع الجزية عنه وعن ضربائه, وأن يعطوا من بيت المال(2).

  - علاقة  الحـــــــــرب :

قبل الحديث عن قيم الإسلام الخلقية في حال الحرب أذكر باختصار شيئاً عن مقاصد الحرب في الإسلام , ثم عن فضل الجهاد , وعن الحكم والمصالح فيه .

- مقاصد الحرب في الإسلام :

    إن هدف الحرب ومقصدها الرئيس في الإسلام هو إعلاء كلمة الله وأن تكون السيادة لحكمه وشرعه, قال تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}[النساء:76] وقال تعالى:{ {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [النساء:74] وقال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتّىَ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لله}[الأنفال:39]. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)(3).

قال شيخ الإسلام: " أصل القتال المشروع هو الجهاد , ومقصوده أن يكون الدين كله لله, وأن تكون كلمة الله هي العليا , فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين(4) " ولذا يقاتل كل من وقف في وجه الدعوة, ومنع من اظهار  الدين, وصد عن سبيل الله , لأنه ظالم متعد, فيقاتل حتى ينصاع للحق أو يخضع لأهله , فيتحقق للناس حرية الدخول في دين الله دون خوف أو رهبة .

-  فضل الجهاد :

الجهاد في سبيل الله من أفضل الطاعات وأجل القربات, لأنه السبيل إلى التمكن في الأرض, وتحقيق العبودية فيها لله وحده , ونشر الخير والعدل والمعروف , وقمع الفساد والظلم والمنكر.

وقد ورد في فضله آيات وأحاديث كثيرة من ذلك :

قوله تعالى:( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيما دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) [النساء:95–96] وقال تعالى:( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ  فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ  وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة:111] وقال تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ  عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه}[آل عمران:169–170] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: ( يا رسول الله, أي العمل أفضل ؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي ؟ قال: بر الوالدين. قلت ثم أي ؟ قال: الجهاد في سبيل الله)(5). وقال عليه الصلاة والسلام: ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) (6) وقال عليه الصلاة والسلام: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها) (7)وسئل عليه الصلاة والسلام : أي الناس أفضل ؟ فقال: ( مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله)(8) .

والآيات والأحاديث في فضل الجهاد كثيرة جداً , بل إنه " لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه(9) " .

 


(1)- أبو يوسف – الخراج ص 144 .

(2) انظر : المرجع السابق ص 126 .

(3) متفق عليه, أخرجه البخاري، في الجهاد والسير ، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، رقم (2810)، وأخرجه مسلم، في الإمارة ، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، رقم (1904).

(4)- ابن تيمية – السياسة الشرعية ص 131 .

(5) متفق عليه , وسبق تخريجه .

(6) رواه البخاري, في الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، رقم (2790).

(7) متفق عليه, أخرجه البخاري، في الجهاد والسير، باب الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس أحدكم من الجنة، رقم (2792)، وأخرجه مسلم، في الإمارة ، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله، رقم (1880).

(8) رواه البخاري, في الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله ، رقم (2786).

(9) - ابن تيمية – السياسة الشرعية ص 130 .

 



بحث عن بحث