آثار قيم الإسلام الخلقية في حياة التابعين رحمهم الله تعالى (6-7).

 

 

ومن مظاهر عناية التابعين رحمهم الله بالقيم الخلقية , حرصهم على قول الحق , والصدع به , ومدافعة الظلم والإنكار على أهله , وعدم الإقدام على الأمور إلا بعد التثبت والنظر , كل هذا و إن عظم الخطر واشتدت المحنة .

ومن شواهد ذلك :

-   ما روي عن الإمام الزهري رحمه الله , أن هشام بن عبد الملك(1) سأله عن تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ )[ النور:11]  قال هشام :من الذي تولى كبره منهم؟ فقال الزهري : هوعبد الله بن أبي بن سلول. فقال كذبت ، إنما هو علي . فقال : أنا كذبت لا أبا لك فوالله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ماكذبت ، حدثني سعيد وعروة " عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ، فلم يزل القوم يغرون به، فقال له هشام : أرحل فو الله ما كان ينبغي لنا أن نحمل على مثلك(2). . .

ولقد كان يسع الإمام الزهري رحمه الله أن يأخذ بالرخصة ويقول كما قال عالم سبقه(3)سئل عن ذلك فأجاب بما أجاب به الزهري فلما رد عليه الخليفة قوله قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول ، ولكن قوة إيمانه وسمو نفسه وعلو منزلته أبت له إلا الأخذ بالعزيمة وتحمل التبعة .

_  ومن ذلك ما روى عن التابعي الجليل ربعي بن حراش (4) أنه لم يكذب قط . وقد امتحن في هذا، إذ سعى به ساع إلى الحجاج فقال :ههنا رجل  من أشجع زعم قومه أنه لم يكذب قط، وأنه سيكذب لك اليوم ، فانك ضربت على أبنيه البعث فعصيا وهما في البيت، فبعث إليه فاذا شيخ منحن ، فقال له : ما فعل أبناك ؟ قال : هما هذان في البيت والله المستعان . قال الحجاج : هما لك ، وأعجبه صدقه ، وذكر أنه حمله وكساه وأوصى به خيراً (5)

وهذا مقام عظيم آثر فيه هذا التابعي رحمه الله الصدق مع علمه ظلم الحجاج وبطشه ، فكانت النجاة والصلة . وأيضا فقد قام تقدير الفضيلة واحترام القيمة الخلقية ، وتعظيم من يقوم بها حتى من الحجاج نفسه الذي أثر عنه الاخلال بها كثيراً في سيرته.

 


(1) هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي , تولى بعد يزيد , مات سنة 125 ه ومدة خلافه 19 سنة وسبعة أشهر .

 سير أعلام النبلاء( 5/351 )البداية والنهاية( 9/351 )0

(2) الذهبي سير أعلام النبلاء (  5/ 339 )0

(3)  هو سليمان بن يسار رحمه الله ، المرجع السابق الصفحة نفسها .

(4) ربعي بن حراش العبسي الكوفي ، تابعي ثقة عابد مخضرم ، مات سنة100 هـ وقيل غير ذلك . سير أعلام النبلاء ( 4/359 ) تقريب التهذيب 205 .

(5)- أبو نعيم – الحلية ( 4 / 367 _ 369 ) الذهبي سير أعلام النبلاء ( 4/ 360 _ 361 )0

 



بحث عن بحث