آثار قيم الإسلام الخلقية في حياة التابعين رحمهم الله تعالى (5-7).

 

أما عن الشجاعة والبذل فقد فتح الله على أيديهم مشارق الأرض ومغاربها , حيث وصلت إلى أقصى غرب إفريقية , وفتحوا الأندلس , وفي الشمال حاصروا القسطنطينية , كل هذا حتى خلافة الوليد بن عبد الملك(1)وأخاه سليمان(2) .(3)

وفي هذه السعة في الفتوحات دلالة واضحة على قوة البأس , ومضاء العزيمة , وصدق التضحية .

وأما عن الإنفاق في سبيل الله , فإن الدولة الإسلامية استغنت بما فتح الله عليها من الكنوز والخيرات فأصبحت تقوم بكفاية هذا الجانب , فتنفق على الجند وتمدهم بما يحتاجون إليه من المراكب والسلاح , يضاف إلى ذلك أن الجيوش الإسلامية أصبحت كثيفة العدد , كثيرة العتاد(4), فلم تعد نفقات الأفراد ذات تأثير يذكر على خلاف ما كان عليه الحال في السابق في هذا كله .

ومع هذا فكانوا يسارعون إلى الإنفاق في هذا الميدان على حسب الاستطاعة والقدرة .

وأما صور البذل والإحسان للفقراء والمحتاجين , وصلة الأرحام والأقارب ونحو هذا فقد كانوا فيه لى درجة عالية.

فمن ذلك :

-   عن الشعبي (5) قال : ما مات ذو قرابة لي وعليه دين إلا وقضيته عنه (6)

-   كان الربيع بن خثيم(7) إذا أخذ عطاءه فرقه وترك قدر ما يكفيه(8)

-   كان اناس بالمدينة يعيشون , ولا يدرون من أين كان معاشهم . فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل(9) .

-   وذكر عنه أنه كان يقوت مائة أهل بيت بالمدينة(10) .

-   كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب يثلم حائطه , ثم يأذن للناس فيه فيدخلون يأكلون ويحملون(11).

وقد كان للتابعين عناية في طرائق البذل والإحسان بما يتحقق معه المقصود مع عدم إيقاع من يصل إليه إحسانهم في أدنى حرج في أخذه أو سؤاله .

فمن ذلك :

-   كان مورق العجلي(12) يتجر فيصيب المال , فلا يأتي عليه جمعة وعنده منه شيء , وكان يأتي الأخ فيعطيه الأربعمائة والخمسمائة . ويقول ضعها عندك , ثم يلقاه بعد فيقول شأنك بها لا حاجة لنا فيها(13).

-   وعن مطرف بن عبد الله – وكان ذا مال وثروة – أنه قال لبعض إخوانه : يا أبا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني واكتبها في رقعة فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال(14)  .

-   كان عامر بن عبد الله بن الزبير(15)يتحين العبّاد وهم سجود , فيأتيهم بالصرة فيها الدنانير والدراهم فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه . فيقال له : ما يمنعك أن ترسل بها إليهم ؟ فيقول : أكره أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسولي وإذا لقيني(16)

 


(1) الوليد بن بد الملك بن مروان بن الحكم الأموي , فتح في عهده الهند والأندلس , مات سنة 96 ه , ومدة خلافته عشر سنوات سوى أربعة أشهر . سير أعلام النبلاء (4/347 )0 البداية والنهاية( 9/161).

(2) سليمان بن عبد الملك بن مروان , كان دينا فصيحا محبا للغزو , توفي سنة 99 ه , ومدة خلافته سنتان وتسعة أشهر . سير أعلام النبلاء ( 5/111 ). البداية والنهاية (9/183)0

(3) انظر : ابن كثير – البداية والنهاية (9 /172) وما بعدها .

(4) انظر على سبيل المثال خبر الجيش الذي سار لفتح القسطنطينية بعدته وعتاده , المرجع السابق (9 /175).

(5) عامر بن شراحيل الشعبي , أبو عمر ثقة مشهور , فقيه فاضل , مات بعد المائة . سير أعلام النبلاء (4/294 )0 تقريب التهذيب 287 .

(6) - الذهبي – سير أعلام النبلاء (4 / 298 – 299 )0

(7) الربيع بن خثيم بن عائد الثوري , ثقة عابد مخضرم , قال له ابن مسعود : لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك , مات سنة 61 ه , وقيل بعدها بسنتين . سير أعلام النبلاء (4/258 )0 تقريب التهذيب 206 .

(8)- الذهبي – سير أعلام النبلاء (4 /261 )0

(9)- ابن الجوزي – صفة الصفوة (2 /96 )0

(10) المرجع السابق . الصفحة نفسها .

(11)- الذهبي – سير أعلام النبلاء (4 /426 )0

(12) مورق بن مشمرج بن عبد الله العجلي , ثقة عابد , مات بعد المائة . سير أعلام النبلاء (4/353 )0 تقريب التهذيب 549 .

(13) - ابن سعد – الطبقات (7 / 215 – 216 )0

(14)- الذهبي – سير أعلام النبلاء (4 / 192 , 194)0

(15)  عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام ألأسدي , ثقة عابد , مات سنة 121 ه . تقريب التهذيب 288 .

(16)- ابن الجوزي – صفة الصفوة (2 /131 )0

 



بحث عن بحث