آثار قيم الإسلام الخلقية في حياة الصحابة رضي الله عنهم (4- 11).

 

- تفاوت الصحابة في الأخذ بالفضائل :

يتفاوت الناس في قدرتهم على القيام بالفضائل والعبادات المندوبة, ويختلفون في نشاطهم إليها, فمنهم من ينشط إلى العبادة الخاصة به كالصلاة والصيام والذكر, ومنهم ينشط إلى الجهاد, ومنهم من ينشط إلى الصدقة, إلى غير ذلك . وكل هذا محمود , ويشهد لهذا ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب - يعني الجنة – يا عبد الله هذا خير , فمن كان من أهل الصلاة دعي من بب الصلاة , ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الحهاد , ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة, ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان(1)

ففي الحديث أن المرء يدخل من الباب الذي يكون اجتهاده في العبادة الخاصة به أكثر من غيره .

قال شيخ الإسلام رحمه الله، بعد أن ذكر أن أفضل العبادات يختلف تارة باختلاف أجناس العبادات, وتارة باختلاف الأوقات, وتارة باختلاف الأمكنة, إلى أن قال:" وتارة باختلاف حال قدرة العبد وعجزه, فما يقدر عليه من العبادات أفضل في حقه مما يعجز عنه, وإن كان جنس المعجوز عنه أفضل – إلى أن قال – والأفضل المطلق ما كان أشبه بحال النبي صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا(2) " وقال رحمه الله : " كل شخص إنما يستحب له الأعمال– يعني النوافل– التي يتقرب بها إلى الله تعالى, التي يقول الله فيها:" وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه(3) " ما يقدر عليه , ويفعله وينتفع به, والأفضل له من الأعمال ما كان أنفع له(4) " .

لذا نرى التفاوت في حياة الصحابة رضي الله عنهم في القيام بالفضائل فمنهم المشتهر بالصدقة, ومنهم المعروف بالقوة والشجاعة, ومنهم العالم المتقن, ومنهم القائد الحازم . . وهكذا .

وقد يشتغل بعضهم ببعض هذه الفضائل لتمكنه منها وغناه فيها عن غيرها , فهذا خالد بن الوليد(5)رضي الله عنه يقول: " لقد منعني كثير من القراءة الجهاد(6) " حيث كان من أهل الكفاية فيه. قال شيخ الإسلام:" إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم وفي الصحابة من هو أفضل منه, ذلك لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره(7) " .

وبكل حال فقد كان للصحابة رضي الله عنهم السبق في سائر القيم الخلقية فما من باب من أبواب القيم إلا دخلوه , وما من طريق من طرق الفضيلة إلا سلكوه . 

وقد كان الصديق رضي الله عنه أسبقهم إلى الخير وأحرصهم على الفضائل, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ " قال أبو بكر : أنا. قال:" فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ " قال أبو بكر: أنا. قال:"فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟" قال أبو بكر: أنا, قال:" فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟" قال أبو بكر: أنا. قال رسول الله صلى اله عليه وسلم:" ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة(8)" .

ولما قال عليه الصلاة والسلام:"من أنفق زوجين من شيء من الأشياء... الحديث(9)". قال أبو بكر رضي الله عنه: ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة, فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: " نعم , وأرجو أن تكون منهم " .

 


(1) - رواه البخاري , ابن حجر – فتح الباري (7 /19)

(2)- ابن تيمية – الفتاوى (10 / 427-428 ).

(3)- رواه البخاري – ابن جر – الفتح (11 /341).

(4)- ابن تيمية – الفتاوى (19 /119 ).

(5) - خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي , سيف من سيوف الله أسلم سنة سبع , وشهد مع رسول الله الفتح , توفي بالشام سنة 21 ه . أسد الغابة( 1/586 ).  الإصابة( 1/412 ).

(6)- ابن حجر – الإصابة (1 /414).

(7) - ابن تيمية – السياسة الشرعية ص22 , مختصرا .

(8) - رواه مسلم , النووي شرح صحيح مسلم (3 / 65-66).

(9) - رواه البخاري , وسبق تخريجه  

 



بحث عن بحث