نشأة الحديث الموضوعي (2-3)

 

 

المرحلة الثانية: التصنيف الموضوعي في القرن الثاني وما بعده:

كان التأليف الموضوعي في هذا العصر امتداداً للعصر السابق.

وممن صنف فيه في هذا بداية هذا العصر عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (80-150هـ): وكان من أول من صنف الكتب, قال عبد الله بن أحمد بن حنبل قلت لأبي: من أول من صنف الكتب, قال: ابن جريج وابن أبي عروبة(1)

وقد جمع ابن جريج بين صورتين من صور التصنيف الموضوعي في مؤلفاته حيث ألف كتاب السنن وهو يحتوي على مثل ما يحتوي عليه كتب السنن مثل الطهارة والصيام وله كذلك كتاب الحج أو المناسك وكتاب التفسير(2).

وله كتاب في المغازي قال معمر بن عثمان الجزري: كتبت عنه صحيفتين في المغازي, فاستعارهما مني رجل فذهب بهما ولم أعد قبلهما كتاباً(3)

وله كذلك كتاب الجامع وهو مرتب على الأبواب الفقهية(4)

وكذلك سعيد بن أبي عروبة (80-155هـ): وهو من أول من صنف الكتب وقد جمع في الصلاة والطلاق ومناسك الحج.

قال أبو خلدة قلت لأبي العالية: أعطني بعض كتبك فقال: ما كتبت شيئاً ولو كنت كتبت شيئاً لأعطيتك وأكرمتك, وأني كتبت ثلاثة أشياء تحية الصلاة وأبواب الطلاق ومناسك الحج(5)

زائدة بن قدامة (161هـ) له كتاب في الزهد والتفسير والقراءات, قال عنه الذهبي: وقد كان صنف حديثه وألف في القراءات وفي التفسير والزهد(6)

وكان لابن المبارك (118-181هـ) كتاب الجهاد وكتاب الزهد ولأبي يوسف صاحب أبي حنيفة (113-182هـ) كتاب الخراج وكتاب الذكر والدعاء وغيرها من المصنفات في هذا العصر ثم قائلاً هذا التصنيف من الصحاح كصحيح الإمام مسلم : (256 ) فقد جمع أحاديث كل موضوع بمروياته, ومثله السنن الأربعة.

وما تلا المائة الثلاثة من تفريع للتصنيف حتى صنفت في أبواب معينة كالزهد والترغيب والترهيب وغيرها, وهكذا نجد أن التصنيف الموضوعي للأحاديث في المرحلة الثانية من مراحل نشأته بدأ يأخذ الشكل الاستقلالي.

ثم إن التصنيف الموضوعي بعد هذا القرن –القرن الثاني- إلى هذا العصر تنوع فشمل جميع صوره الآتي ذكرها.

وهكذا نجد أن التصنيف الموضوعي موجود منذ زمن الصحابة وما بعده من القرون إلا أنه لم يكن شائعاً بهذا الاصطلاح وإنما كان يدخل ضمن عموم تدوين السنة النبوية, وماجدّ في المتأخرين هو معرفة هذا النوع بهذا الاصطلاح (التصنيف الموضوعي).

وقد تمثل التصنيف الموضوعي في عدة صور في المراحل كلها بما يلي:

1- جمع الأحاديث في باب ضمن كتاب واحد ثم تدوينه, مثل ما سبق من الصحاح وأبرزها صحيح الإمام مسلم : وكذلك السنة بعامة.

2- جمع أحاديث في أبواب متشابهة في مصنف واحد, مثل ما سبق في كتب الترغيب والترهيب, ورياض الصالحين وغيرها.

3- جمع الأحاديث في الموضوع الواحد في جزء واحد كبير أو صغير, مثل ما سبق في جزء رفع اليدين للإمام البخاري : وجزء في الدعاء لعبد الغني المقدسي الحنبلي, وكذا جزء في الأمر بالمعروف له وغيرهما.

4- شرح كتاب من الكتب السابقة التي نهجت المنهج الموضوعي, مثل: كتب الشروح لما سبق.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 


(1) تهذيب الكمال 4/561

(2) الرسالة المستطرفة 34 وانظر: دراسات في الحديث النبوي 1/278

(3) العلل ومعرفة الرجال 1/43

(4) الرسالة المستطرفة 41

(5) العلل ومعرفة الرجال 3/441.

(6) سير أعلام النبلاء 7/377.

 



بحث عن بحث