الفصل الثاني :

 

الأحاديث المتعلقة بالفلك

 

·      المبحث الأول: ليس في الكون فراغ .

  1– حديث: «أطت السماء أطا، وحق لها أن تئط؛ ما فيها أربع أصابع إلا وفيها ملك قائم، أو راكع، أو ساجد، يعبد ربه». أو كما قال صلى الله عليه وسلم  (*).

  أخرجه الترمذي(1) – واللفظ له – وابن ماجة(2)، وأحمد(3)، وابن نصر المروزي(4)، وأبو الشيخ(5)، والحاكم(6) ، وأبو نعيم(7) ، والبيهقي(8)، والبغوي(9)، كلهم من طرق عن إسرائيل بن يونس، عن إبراهيم بن مهاجر البجلي، عن مجاهد، عن مُوَرِّق بن مُشَمْرِِج، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صى الله عليه وسلم  : «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع، إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً...».

  قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".

  وقال الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". وزاد في موضع آخر: "على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي.

  ورجاله كلهم ثقات إلا إبراهيم بن مهاجر البجلي؛ فهو (صدوق، لين الحفظ) (10). وللحديث شواهد تقويه، منها:

  1– حديث عائشة، أخرجه ابن نصر(11)، والطبري(12)، وأبو الشيخ(13)، كلهم من طرق عن أبي معاذ الفضل بن خالد النحوي، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم، عن مسروق بن الأجدع، عنها قالت: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم  : «ما في السماء الدنيا موضع قدم، إلا عليه ملك ساجد أو قائم، فذلك قول الله تعالى: (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [الصافات: 164–166]».

وفي إسناده أبو معاذ الفضل بن خالد النحوي، ذكره البخاري(14) فيمن مات قريباً من سنة مئة وإحدى عشرة، وقال: "المروزي، مولى باهلة". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وكذلك ذكره مسلم(15)، وابن أبي حاتم(16)، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فهو في عداد المجهولين، وذكره ابن حبان في ثقاته(17).

  2– حديث حكيم بن حزام، أخرجه ابن نصر(18)، والطبراني(19) وأبو الشيخ(20)، كلهم من طرق عن عبدالوهاب بن عطاء، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة السدوسي، عن صفوان بن محرز، عنه، قال: بينما رسول الله صى الله عليه وسلم  مع أصحابه إذ قال لهم: «هل تسمعون ما أسمع؟» قالوا: ما نسمع شيئاً. قال: «إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط؛ وما فيها موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم».

  وعند الطبراني وابن نصر: «موضع شبر».

  وفي إسناده عبدالوهاب بن عطاء الخفاف، قال فيه الحافظ: (صدوق، ربما أخطأ،أنكروا عليه حديثاً في العباس، يقال دلسه عن ثور) (21).

  3– حديث جابر بن عبدالله، أخرجه الطبراني(22)، قال: حدثنا خير بن عرفة المصري: ثنا عروة: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبدالكريم بن مالك، عن عطاء بن أبي رباح، عنه، قال: قال رسول الله صى الله عليه وسلم  : «ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف، إلا وفيه ملك قائم، أو ملك راكع، أو ملك ساجد، فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، إلا أنا لم نشرك بك شيئاً».

وفي إسناده عروة وهو ابن مروان العِرْقِي، ويقال الرَّقِّي لسكناه الرَّقَّة مدة.

قال الدارقطني: "كان أمياً، ليس بقوي الحديث"(23). كما أنه انفرد بذكر السماوات السبع.

  4– حديث عبدالله بن مسعود أخرجه ابن نصر المروزي(24)، الطبري(25)، والطبراني(26)، كلهم من طرق عن الأعمش، عن أبي الضحى بن صبيح، عن مسروق بن الجدع، عنه، قال: إن من السموات لسماء، ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدمه قائماً. قال: ثم قرأ: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [الصافات: 165 – 166].

  ورجاله ثقات، وهو موقوف، لكن له حكم الرفع؛ حيث أنه اشتمل على أمور غيبية مثلها لا يقال بالرأي، وعلى أية حال فهو شاهد قوي لما سبقه.

  والحديث صحيح بمجموع الطرق المتقدمة.

 

  2– حديث: «سبحان الله عدد ما خلق في السماء، سبحان الله عدد ما خلق في الأرض، سبحان الله عدد ما خلق بينهما»(*).

  أخرجه أبو داود(27)، والترمذي(28)، والدورقي(29)، والنسائي(30)، والطبراني(31)، والبغوي(32)، كلهم من طرق عن عبدالله بن وهب، عن عمرو بن الحارث المصري، عن سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها، أنه دخل مع رسول الله صى الله عليه وسلم  على امرأة وبين يديها نوى، أو حصى، تسبح به، فقال: «ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا» أو «أفضل» فقال: «سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك». هذا لفظ أبي داود، وعند الآخرين «عدد ما بين ذلك».

  وأخرجه أبو يعلى(33)، وابن حبان(34)، والحاكم(35)، كلهم من طريقين عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد أبي هلال، عن عائشة، به، دون ذكر خزيمة، لكن الذين ذكروه أوثق، وأكثر عدداً؛ فروايتهم أرجح.

كما أنني لم أجد من ذكر لسعيد بن أبي هلال سماعاً من عائشة، وإن كان قد عاصرها ونشأ في المدينة(36).

  قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من حديث سعد".

  وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

  وفي إسناده خزيمة، قال عنه الحافظ: (لا يُعرف) (37)، وسعيد بن أبي هلال، قال فيه الحافظ: (صدوق، لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفاً، إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط) (38). والحديث ضعيف بهذا الإسناد، وعلى أية حال، فموضع الاستدلال من الحديث تضمنته بعض الآيات القرآنية، ويأتي ذكرها ضمن كلام المستدل ففيها غنية.

 

الاستدلال :

  استدل بهذين الحديثين الدكتور زغلول النجار، في محاضرته (الإعجاز العلمي في القرآن) (39)، على ما أثبته العلم الحديث من أنه لا يوجد فراغ في الكون، فقال: "كان العلماء في الماضي يتخيلون أن الكون فراغ، ويقولون: إن الغلاف الغازي للأرض يكاد ينعدم بعد ألف كيلومتر، ويرق رقة شديدة حتى ينعدم، ويتكلمون عن الأثير، والأثير هذا هو منطقة خالية تماماً من المادة، فإذا القرآن الكريم يتحدث في آيات كثيرة (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) [مريم: 65] (40)، ليس هناك فراغ، ليس هناك مناطق خالية كما كان يتخيله العلماء؛ في سورة الحجر( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيل)َ [الحجر:85]، وفي سورة مريم: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً )[مريم:65]، انظروا إلى لفظة: (وما بينهما)، التي يؤكد عليها القرآن الكريم، تأكيداً شديداً في آيات كثيرة متعددة...".

 

  وذكر عدداً من الآيات، ثم قال: "ثم يأتي العلم ليؤكد أن المادة تنتشر في فسحة هذا الكون، وأنه لا يوجد شيء اسمه فراغ، حتى المسافات التي تنتج عن تباعد هذه المجرات تباعداً هائلاً عن بعضها، تتخلق فيها المادة في الحال لتملأها، ولولا ذلك ما وصلتنا أضواء هذه النجوم، فتأكد العلماء في السنوات الأخيرة من هذا القرن، أنه لا يوجد شيء اسمه فراغ، بل إن هذه المسافات البينية الشاسعة الهائلة، التي تتكون نتيجة تباعد هذه المجرات، تمتلئ بالمادة مباشرة، ومن العلماء الفلكيين البارزين في عصرنا هذا عالم بريطاني اسمه (فريد هويل)، وهو من أشهر علماء الفلك المعاصرين، وله نظريات علمية كثيرة صحيحة مسماة باسمه، وبعد أن بلغ سن السبعين تقريباً، تفرغ لمراجعة كتاباته ومعلوماته، فألف كتباً اسمه (الكون الذكي)، يقول فيه: كنا ننكر وجود الخالق، فإذا بالخالق يؤكد وجوده بامتلاء الفراغات الناتجة عن اتساع هذه المجرات، بمادة تتخلق من حيث لا ندري، فهذه شهادة بأن الذي خلق هذا الكون، هو الذي يخلق هذه المادة؛ ليملأ بها هذه المسافات الشاسعة، التي تتكون بين المجرات المتباعدة عن بعضها.

  وفي الحديث الصحيح يقول الرسول صى الله عليه وسلم  : «أطت السماء وحق لها أن تئط ما في أربع أصابع إلا ملك قائم أو راكع أو ساجد، يعبد ربه». أو كما قال صى الله عليه وسلم  . لا يوجد فراغ، الكون مزدحم بالخلق، ولكنه خلق لا ندركه، لا نعرفه، ليست لدينا الوسائل للإلمام به، ويقول في الحديث الصحيح صى الله عليه وسلم  : «سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بينهما». والعلماء في العالم كله يقولون إن الكون فراغ، بعد نطاق الغلاف الغازي للأرض لا يوجد شيء...!!

  من الذي علم محمداً صى الله عليه وسلم  ذلك، إذا لم يكن موصولاً بخالق السماوات والأرض". اهـ.

 التعليق :

  الحديث الأول لا يدل – في نظري – على ما ذهب إليه المستدل، فالحديث يتحدث عن السماء، وعن الملائكة، والمستدل يتكلم عن اكتشاف مادة تملأ الكون المنظور والمسافات بين أجرامه، ولا أريد الكلام عن السماء والملائكة فذاك موضوع آخر، لكن المراد بُعد استدلاله بهذا الحديث.

  ولم يبين المستدل نوع هذه المادة التي تملأ الكون، فرجعت إلى كتاب (الكون العميق) فوجدت مؤلفه يقول: "من المهم جداً منذ الآن أنه لا يوجد فراغ مطلق بين النجوم، بل هناك مادة، وهذه المواد هي ما نسميها بالغيوم، أو السحب الكونية، وهي عبارة عن غازات مكونة من عناصر ليست غريبة عن الأرض، ولكن المهم الآن أن نعرف أن الهيدروجين هو العنصر الرئيسي فيها"(41).اهـ.

  وأما الحديث الثاني فيبدوا أن المستدل أخذه الحماس والعاطفة، فزعم أنه صحيح، وليس الأمر كما قال.

 


(*) محاضرة للدكتور زغلول النجار، بعنوان (الإعجاز العلمي في القرآن) بنادي أبها الأدبي، وهي   

     مسجلة في تسجيلات التقوى، على شريط رقم (8961/2).

(1) سنن الترمذي – كتاب الزهد – باب في قول النبي صى الله عليه وسلم  : «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً...»     

     (4/481، 482ح2312).

(2) سنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب الحزن والبكاء (2/1402ح4190).

(3) المسند (5/173).

(4) تعظيم قدر الصلاة (1/259ح 251، 252).

(5) العظمة (3/982، 983ح507).

(6) المستدرك (2/510) و (4/544، 579).

(7) الحلية (2/236).

(8) السنن الكبرى (7/52).

(9) شرح السنة (14/369، 370ح4172).

(10) تقريب التهذيب ص (94) ورمز له الحافظ بـ (م4).

(11) تعظيم قدر الصلاة (1/260ح253).

(12) تفسير الطبري (جامع البيان) (23/111).

(13) العظمة (3/984، 985ح508).

(14) التاريخ الصغير (2/295).

(15) الكنى والأسماء (2/777).

(16)  الجرح والتعديل (7/61).

(17) الثقات (9/5).

(18) تعظيم قدر الصلاة (1/258، 259ح250).

(19) المعجم الكبير (3/224، 225ح 3122).

(20) العظمة (3/986، 987ح 509، 510).

(21) تقريب التهذيب ص (368).

(22) المعجم الكبير (2/184ح1715).

(23) ميزان الاعتدال (3/64).

(24) تعظيم قدر الصلاة (1/260، 261ح 254). ووقع فيه : مسلم بن صبيح عن أبي الضحى. وهو   

      خطأ.

(25) تفسير الطبري (جامع البيان) (23/112).

(26) المعجم الكبير (9/242، 243ح9042).

(*) المحاضرة المشار إليها سابقاً.

(27) سنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب التسبيح بالحصى (2/169، 170ح1500).

(28) سنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب في دعاء النبي صى الله عليه وسلم  وتعوذه دبر كل صلاة (5/525،

      526 ح 3568).

(29) مسند سعد بن أبي وقاص (ص150ح88).

(30) عمل اليوم والليلة، كما في تحفة الأشراف (3/325)، ولم أجده في المطبوعة، ولعله سقط من

     نسخة المحقق.

(31) الدعاء (3/1584ح 1738).

(32) شرح السنة (5/61، 62ح1279).

(33) مسند أبي يعلى (2/66، 67ح710).

(34) الإحسان (2/101ح834).

(35) المستدرك (1/547، 548).

(36) انظر تهذيب التهذيب (4/83، 84)، وتهذيب الكمال (1/507).

(37) تقريب التهذيب ص (193).

(38) تقريب التهذيب ص (242).

(39) سبق ذكرها في أول المبحث.

(40) وجاءت في سور كثيرة أخرى هي: سورة الشعراء آية (24)، وسورة الصافات آية (5)،   

      وسورة ص آية (66)، وسورة الدخان آية (7)، وسورة النبأ آية (37).

(41) الكون العميق (ص48).

 

 



بحث عن بحث