الحلقة (61) المستشرقون والسنة النبوية(2-6)

 

ثانيا : منهج المستشرقين في دراسة الإسلام

قبل أن نتعرف على موقف المستشرقين من السنة النبوية المطهرة يجدر بنا أن نتعرف أولاً على منهجهم في دراستهم الاستشراقية للإسلام، فبمعرفة هذا المنهج سنقف على أثره في نظرتهم للإسلام، وللسنة النبوية المطهرة ونحن كثيراً ما نسمع المستشرقين يكثرون من القول: إن التحقيق والموضوعية والتحرر منهجهم في كل ما يبحثون لا فرق في ذلك عندهم بين عدو وصديق أو بين قريب وبعيد، ويكثرون من القول أيضاً: أنهم يدرسون العقائد الدينية على أسس من المبادئ المستمدة من العقل والمنطق ... هكذا يدعون!

والحق أنهم بعيدون كل البعد عن البحث العلمي النزيه ولا يمتون إليه بصلة، ويستوي في هذا سائر المدارس الاستشراقية  (1)  .

ولا أدرى كيف يكون منهج الاستشراق اللاهوتي الوليد من عصبية وحقد النصارى للإسلام ولأمتنا الإسلامية - لا أدرى كيف يكون نزيهاً ومحايداً في دراسته للإسلام ...؟!

وحتى بعد تطوره في العصر الحديث إلى استشراق علماني استعماري لم يتخل عن العصبية الدينية، وإن لم تطغ هذه العصبية طغيانها قديماً فهو استشراق استعماري طامع في خيرات هذه الأمة حاقد عليها ، ولا أمل له في السيطرة على هذه الأمة إلا بإضعاف عقيدتها بدينها وبتاريخها وحضارتها ، ولا يكون ذلك إلا بالاستشراق اللاهوتي التبشيري،

وكذلك حال الاستشراق اليهودي في منهجه، كانت تحركه نزعتين :

إحداهما دينية : تحمل أشد العداوة والحقد للإسلام والمسلمين .

وثانيهما سياسية : تحمل في داخلها حلم إعادة مملكة سيدنا داود عليه السلام فى فلسطين وحكم العالم أجمع .

والبحث العلمي النزيه لا صلة له إطلاقاً بما يكتبون عن الإسلام والمسلمين؛ لأنهم وهم يكتبون لا يتخلون أبداً عن أهوائهم وحقدهم الدفين ضد الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم  وأمته التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس، وحتى لو فرضنا أن هذا لا يكون في نفوس بعضهم حين يكتبون عن الإسلام، فإنه مما لا شك فيه يكون في نفوسهم الطمع في خيرات هذه الأمة وهذا يحملهم أيضاً على التحامل على الإسلام، وصدق رب العزة في بيان نزعتهم الدينية في قوله تعالى: ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [ سورة البقرة /109 ].

وصدق رب العزة في بيان نزعتهم الاستعمارية في قوله تعالى : ( مَا يوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [ سورة البقرة / 105 ].

والمستشرقون في كتاباتهم عن الإسلام لن يتخلوا أبداً عن هاتين النزعتين الدينية والاستعمارية، لأن التحول عنهما، إنما يعنى التحول إلى الإسلام، وهذا التحول إلى الإسلام يعنى في الوقت نفسه التحول عن الاستشراق وأهدافه الخبيثة، وهذا ما حدث بالفعل لبعض المستشرقين ممن أكرمهم رب العزة بالإسلام وهداهم إليه .

وصدق رب العزة في بيان سبب عدم تخليهم عن نزعتهم الدينية سواء يهودية أو نصرانية في قوله تعالى : ( وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) [ سورة الحج / 55 ]

فالسبب أنهم أبداً وإلى أن تقوم الساعة في شك من هذا الدين ومن نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم،وهم دائماً في موقف الحذر منه والتربص به ، ومهما حدث من أمور يظهرون من خلالها التودد والمجاملة، إلا أن ذلك يخفى حقيقة في قلوبهم لا يريدون إظهارها ففعلهم في واد، وقلوبهم في واد آخر .

وإذا كان هناك من رضاً متوقع، فلن يكون إلا في حين اتباع ملتهم، والسير خلفهم، وعدم مخالفتهم فيما يفعلون أو يكتبون من خرافات وأساطير عن الإسلام أما دون ذلك فلا، قال تعالى:( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [ سورة البقرة / 120 ] ، وقال تعالى: ( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [ سورة النساء / 89 ] .

فالولاء الوحيد في قلوب هؤلاء؛ إنما هو لدينهم ولمصلحتهم لا للإسلام ولا للمسلمين ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [ سورة الأنفال / 73 ] .


(1)  ــ وهى المدرسة النصرانية، والمدرسة اليهودية، والمدرسة العلمانية، والمدرسة الإلحادية الشيوعية . انظر : أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها للأستاذ عبد الرحمن الميدانى ص 124، 125، والاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضارى للدكتور زقزوق ص 48، 49.

 



بحث عن بحث