شبهة عرض السنة على العقل والرد عليها(16)

خلاصة الرد على هذه الشبهة:

قلت: ومما سبق يتبين لنا أن "قاعدة عرض السنة على العقل" في الحكم على السنة النبوية المطهرة، قاعدة مقررة عند المحدثين والفقهاء، وطبقوها فعلاً في قبولهم للأحاديث وتصحيحها، إلا أنها مقيدة باستحالة التأويل بالجمع بين ما ظاهره التعارض بين النقل وما استغربه العقل الواقف عند الحدود التي وضعها له خالقه، فلا يحسن إلا ما حسنه الشرع، ولا يقبح إلا ما قبحه الشرع، ولا يقدم حكمه على حكم رب العباد عزَّ وجلَّ (1) .

وأخيرًا: صدق الفاروق عمر رضي الله عنه قال: " ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوا فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا، ألا وإنا نقتدى ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ما نضل ما تمسكنا بالأثر" وفي رواية قال: "إياكم ومجالسة أصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنة، أعيتهم السنة أن يحفظوها، ونسوا الأحاديث أن يعوها، وسئلوا عما لا يعلمون، فاستحيوا أن يقولوا لا نعلم، فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا كثيرًا، وضلوا عن سواء السبيل، إن نبيكم لم يقبضه الله حتى أغناه الله بالوحي عن الرأي، ولو كان الرأي أولى من السنة، لكان باطن الخفين أولى بالمسح من ظاهرهما"(2) .

وقال الحافظ ابن عبد البر: "ومن أعف نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردها إلى مبلغ نظره؛ فهو ضال مضل، ومن جهل كذلك كله أيضًا وتقحم في الفتوى بلا علم؛ فهو أشد عمى وأضل سبيلاً ... واعلم يا أخي: أن القرآن والسنة هما أصل الرأي ... ومن جهل الأصل لم يصل الفرع أبدًا"(3)أ. هـ.


(1) انظر : السنة في كتابات أعداء الإسلام 1 / 240 ــ 260.

(2) الفقيه والمتفقه للخطيب 1/ 453، 454 رقمى 477، 478، وقال ابن قيم الجوزية وأسانيد هذه الآثار = =عن عمر في غاية الصحة. انظر: أعلام الموقعين 1/ 55، وانظر: في نفس المصدر 1/ 66، 67، "معنى الرأي، ومتى يكون محمودًا، ومتى يكون مذمومًا"، وانظر: المدخل إلى السنة للأستاذ الدكتور عبد المهدي ص 114، 259.

(3) جامع بيان العلم وفضله 2/ 173 بتصرف .



بحث عن بحث