شبهة عرض السنة على العقل والرد عليها(15)

 

مراعاة المحدثين للعقل عند الحكم على الرواة والمتون:

ثالثًا: وأما مراعاة المحدثين للعقل عند الحكم على الرواة: فهذا يظهر كثيرًا في كتب التراجم، فالأئمة كثيرًا ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به فضلاً عن خبرين أو أكثر، ويقولون: للخبر الذي تمتنع صحته أو تبعد: "منكر" أو "باطل"، وتجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه، وينقدوه حديثًا حديثًا(1) .

رابعًا: وأما مراعاة المحدثين للعقل عند الحكم على متون الأحاديث فهذا واضح في جعلهم من دلائل الوضع في الحديث مخالفته لبدهيات العقل(2)، إلا أن ذلك مقيدٌ بعدم إمكان التأويل ، والمقصود بالتأويل هنا: محاولة التوفيق بين ما ظاهره التعارض بين المنقول والمعقول وبشرط :"ألا يسرح العقل في مجال النظر والتأويل -  وهو يوفق - إلا بقدر ما يسرحه النقل"(3)

كما أن العقل مقيد بالمستنير بكتاب الله عزَّ وجلَّ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الثابتة.

وفي ذلك يقول الحكيم الترمذي: "وإنما تعرف وتنكر العقول التي لها إلى الله سبيل يصل إلى الله ونور الله سراجه والعقل بصيرته، والحق خبئته والسكينة طابعه فرجع إلى خلقه والحق عنده أبلج يضئ في قلبه كضوء السراج يقينًا وعلمًا به كما قال ربيع بن خُيثم: " إن على الحق نورًا وضوءًا كضوء النهار نعرفه، وإن على الباطل ظلمة كظلمة الليل ننكرة".

فالمحققون هكذا صفتهم يعرفون الحق والباطل وكذلك وعد الله تعالى المتقين فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) [ سورة الأنفال / 29 ].

أما العقل المخلط المكب على شهوات الدنيا المحجوب عقله عن الله عزَّ وجلَّ فليس هو المعنى بهذا؛ لأن صدره مظلم، فكيف يعرف الحق؟ وإنما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "إذا جاءكم عنى حديث تعرفونه، ولا تنكرونه"(4) .

 


 


(1) الأنوار الكاشفة ص7 .

(2)انظر : تدريب الراوي 1/ 276 ، وتوضيح الأفكار 2 / 96 .

(4)نوادر الأصول 1/ 361 .

 



بحث عن بحث