القاعدة الثالثة : الغايات والوسائل

حكم وسائل الدعوة

 

 

حكم وسائل الدعوة:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،،،

ففي هذه الحلقة نبين:  حكم وسائل الدعوة:

بعد أن عرفنا ثبوت مشروعية وسائل الدعوة، يجدر بنا أن نتساءل: هل جميع وسائل الدعوة مشروعة؟ وصالحة لنشر الإسلام؟ وهل كل الوسائل النافعة وغير النافعة يمكن أن يأخذ بها الداعية بحجة إيصال الدعوة للناس؟

الحقيقة أن تلك التساؤلات هامة وفي مكانها.

ولإيضاح حكم وسائل الدعوة، فإن العلماء والباحثين ذكروا أن تصنيف الوسائل والأساليب لا يخرج عن ثلاث حالات(1)

الحالة الأولى:

النص على مشروعية الوسيلة والأسلوب في الكتاب والسنة، وحكم الوسيلة والأسلوب فيها توقيفي، ورد فيها الأمر الذي يدل على الوجوب أو الندب، أو الجواز، ومثاله قوله تعالى ) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )  [النحل: 125]، وقوله سبحانه: )  وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة : 83].

الحالة الثانية:

النص على منع الوسيلة والأسلوب في الكتاب والسنة، فالحكم فيها توقيفي بمنع استخدامها، ولا يجوز لأحد مخالفة ذلك، وبناء على ذلك فلا يجوز للداعية استخدام هذا النوع من الوسائل والأساليب الممنوعة شرعًا كالكذب والزور ودق الناقوس للصلاة والمال المحرم، وما فيه خدعة، والغيبة والنميمة، وآلات اللهو والطرب المحرمة وغير ذلك.

الحالة الثالثة:

عدم النص على الوسيلة والأسلوب بمشروعية أو منع في الكتاب والسنة، فالحكم فيها الاجتهاد بحسب ما تمليه المصالح المرسلة والقياس الصحيح، مع الأخذ بالاعتبار الضوابط الشرعية لذلك، فهذا النوع من الوسائل والأساليب يدخل في دائرة المباح، بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة.

أقسام وسائل الدعوة:

لوسائل الدعوة قسمان:

القسم الأول: وسائل دعوية مباشرة.

والمقصود بها: مجموع الوسائل الدعوية التي تتجه إلى المدعوين مباشرة دون واسطة، ومثال ذلك: الموعظة والخطابة، والمحاضرة، والدرس، والندوة، وغيرها.

القسم الثاني : وسائل دعوية غير مباشرة .

والمقصود بها: مجموع الوسائل الدعوية التي تتجه إلى المدعوين، بصورة غير مباشرة، وذلك عن طريق وسائط تحملها وتوصلها على المدعوين، ومثال ذلك: الوسائل الإعلامية والاتصالية المتعددة كالإذاعة والتلفاز والهاتف والفاكس والإنترنت والشريط والكتابة وغيرها.

ضوابط وسائل الدعوة:

هناك عدة ضوابط وشرائط ينبغي توافرها في وسائل الدعوة حتى تصان عن الاضطراب، وتحفظ من الخلل والفساد.

وهذه الضوابط عديدة ومتنوعة، ويمكن إجمالها مختصرة دون توسع فيما يلي(2)

1- أن تكون هذه الوسائل شرعية، متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ومنسجمة معها، منضوية تحت كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أثر عن سلف الأمة الصالح، بمعنى أن يكون لها أصل شرعي تعتمد عليه.

2- عدم مخالفة هذه الوسائل للشرع، بمعنى أن تكون الوسيلة الدعوية غير محرمة ولا تدخل تحت نهي أو شبهة أو بدعة.

3- خروج الوسيلة من كونها شعارًا لغير المسلمين، وخاصة ما يتعلق بالشعارات في الأمور الدينية، مثل: الناقوس، والصليب، والبوق، والنار، وما يسمى بنجمة داود، أضف إلى ذلك القداح والأسهم، والزجر بالطير والضرب على الأرض وقراءة الكف، وما إلى  ذلك من أمور تخالف العقيدة الإسلامية، وتتعلق بالديانات الأخرى بأي وجه من الأوجه.

4- أن يكون المقصود من الوسيلة مشروعًا، فإن كان الهدف ممنوعًا شرعًا فلا يتوسل إليه بأي وسيلة، لأن النهي عن المقصد نهي عن جميع وسائله المؤدية إليه، فكل وسيلة تؤدي إلى الحرام فهي محرمة، وكل وسيلة تؤدي إلى المكروه فهي مكروهة.

يقول ابن القيم :: «فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصود قصد الوسائل، فإذا حرم الرب تعالى شيئًا، وله طرق ووسائل تفضى إليه، فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقًا لتحريمها، وتثبيتًا له، ومنعا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء»(3)

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: «والوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها، ووسيلة المباح مباحة» (4)

5- أن لا يؤدي استعمال بعض الوسائل الدعوية إلى أحداث مفسدة أكبر من المصلحة المقصودة منها، فإن كانت تؤدي إلى مفسدة أو ضرر أو فتنة بين الناس فلا يشرع التوسل بها، لأن درء المفسدة الراجحة أولى من جلب المصلحة المرجوجة، وهذا ضابط عظيم فقد اضطرب فيه كثير من الدعاة، وسيأتي قاعدة مستقلة إن شاء الله تعالى.

معالم في استعمال الوسائل:

وهي عوامل مساعدة للإفادة من الوسائل المتجددة:

1- ينبغي على الدعاة مراعاة الأولويات في استعمال الوسيلة الدعوية، ومراتب الوسائل تابعة لمراتب مصالحها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أقل من ذلك فهي أقل درجة.

2- التدرج في استعمال الوسائل الدعوية، وهو التقدم شيئًا فشيئًا والصعود درجة فدرجة، ومعنى ذلك أن لا يبادر الداعية إلى استعمال كل ما عنده من وسائل دعوية دفعة واحدة لمجتمع معين، بل ينبغي عليه استعمال هذه الوسائل شيئًا فشيئًا والترقي مع حالة المدعو حتى يصل إلى أوفى الوسائل معه.

3- مناسبة الوسيلة الدعوية لحال المدعو أو لحال المجتمع، وقدرته على فهمها والإفادة منها، ومعرفة ما يريد الداعية إيصاله للمدعو عن طريقها.

4- مقدرة الداعية على استعمال هذه الوسائل الدعوية، والإلمام بفوائدها، وطرق نفعها للناس، مع حسن التعامل مع هذه الوسائل وتسخيرها لخير المدعوين ونفعهم، والتزام الصدق والحق في التعامل مع هذه الوسائل الدعوية.

وسنبدأ في الحلقة التالية بإذن الله تعالى ببيان: الدعاة وتطور الوسائل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 


(1) انظر: وسائل الدعوة إلى الله تعالى بين التوقيف والاجتهاد: ص: (31)، قواعد الوسائل ص:(328)، مناهج الدعوة إلى الله تعالى: ص: (66)، المدخل إلى علوم الدعوة: ص: (286).

(2)  ينظر: وسائل الدعوة للدكتور عبد الرحيم المغذوي: ص: (20)، وسائل الدعوة إلى الله تعالى وأساليبها للدكتور حسين عبد المطلب: ص: (61)، قواعد الوسائل للدكتور مصطفى مخدوم ص:(347)، الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية للدكتور عبد الرحيم المغذوي ص:(676،674).

(3)  إعلام الموقعين: (3/175).

(4)  القواعد والأصول الجامعة: ص: (10).

 



بحث عن بحث