رعاية النساء في ضوء سورة النساء  ( 8 –  15 )

 

المطلب الثالث/ حسن العشرة:

فمن مظاهر عناية السورة بالنساء وصايتها للرجل بحسن العشرة، حيث جعل الله قيام الحياة الزوجية مبنياً على المحبة والرحمة بين الزوجين، فهذه الزوجة ما هي إلا مخلوقة من هذا الزوج.

قال تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}(1) وفي هذا تنبيه لحق الزوجات والقيام به لكون الزوجات مخلوقات من الأزواج(2).

وقد جاء التصريح بالأمر بالعشرة بالمعروف في هذه السورة في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(3)، أي: وخالقوا أيها الرجال نساءكم وصاحبوهن بالمعروف؛ يعني: بما أمرتكم به من المصاحبة وذلك إمساكهن بآداء حقوقهن التي فرض الله جل ثناؤه لهن عليكم إليهن، أو تسريح منكم لهن بإحسان.

وأصل {الْمَعْرُوفِ} كل ماكان معروفاً فعله، جميلاً مستحسناً، غير مستقبح في أهل الإيمان بالله(4).

وقد ذكر ابن كثير كلاماً مختصراً شاملاً في معنى هذه الآية وهو قوله: (أي: طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله)(5).

وتأكيداً على حسن العشرة ووجوب استمرارها و دوامها عقب الأمر بها بقوله: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى? أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}(6).

فإنه حتى في حالة الكراهة لها ينبغي على الرجل أن يكون حسن العشرة معها.

 

قال ابن الجوزي(7) في تفسيره: (وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها ونبهت على معنيين:

أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرب مكروه عاد محموداً ومحمود عاد مكروها.

والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه ما يكره فليصبر على ما يكره لما يحب.

ووجوه الصلاح التي قد تخفى على الرجل حين كراهته لامرأته كثيرة، فقد تكون هذه المرأة سبب خيرات تلحقه في الدنيا والآخرة.

ومما لاشك فيه أن امتثاله لأمر الله في الصبر عليها ومعاشرتها بالحسنى فيه سعادة الدنيا والآخرة، وقد يكون في إجبار نفسه على ما تكره مجاهدة لها، وإظهار لأجمل خصاله، ولربما تخلف هذه الكراهة محبة ومودة، فالقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، ولربما رزق منها أبناء صالحين ينفعونه في الدنيا والآخرة إلى غير ذلك من الوجوه التي تخفى على الإنسان ولا يعلمها)(8).

ولقد جاءت الأحاديث النبوية مؤكدة لهذا الحق وتحث على الالتزام به، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)(9)، وقال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً)(10). وبهذه الكلمات النبوية يتم حديثنا حول رعاية السورة للمرأة بأمر الرجل بحسن العشرة معها والحمد لله.

 


(1) سورة النساء: آية رقم : 1.

(2) تفسير السعدي: 129.

(3) سورة النساء: 19.

(4) تفسير الطبري: 3/213.

(5) تفسير ابن كثير 1/507

(6) سورة النساء: 19

(7) ابن الجوزي هو: أبو الفرج عبدالرحمن بن أبي الحسن بن علي بن محمد بن علي الجوزي، الفقيه الحنبلي، الواعظ المفسر، قرأ الفقه والأصول، من مصنفاته: زاد المسير، ونزهة العيون النواظر في الوجوه والنظائر وغيرها، توفي سنة:597هـ.

-انظر: البداية والنهاية: 13/28، وفيات الأعيان: 2/321.

(8) زاد المسير: 2/42.

(9) رواه مسلم كتاب الرضاع (باب الوصية بالنساء) حديث رقم: 61، عن أبي هريرة رضي الله عنه: 626.

(10) رواه مسلم كتاب الرضاع (باب الوصية بالنساء) حديث رقم: 59، عن أبي هريرة رضي الله عنه: 626.



بحث عن بحث