رعاية النساء في ضوء سورة النساء  ( 7 - 15 )

 

 

المطلب الثاني/ النفقة:

ضمن الإسلام للمرأة حق النفقة، وجعل ذلك واجباً من واجبات الرجل أباً أو زوجاً أو أبناً ثم على أهلها الآخرين إذا فقد كل أولئك.

والمراد بالنفقة ما تحتاج إليه من المطعم والملبس والمسكن.

قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}(1).

قال ابن كثير : (ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياماً، أي: تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها، ومن هاهنا يؤخذ الحجر على السفهاء وهم أقسام، فتارة يكون الحجر للصغر، فإن الصغير مسلوب العبارة، وتارة يكون الحجر للمجنون، وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين، وتارة للفلس: وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاق ماله عن وفائها، وهذه الآية تضمنت الإحسان إلى العائلة ومن تحت الحجر بالفعل من الإنفاق في الكساوي والأرزاق وبالكلام الطيب وتحسين الأخلاق)(2).

وقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ? فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ? وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ? فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ? إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}(3).

ففي هذه الآية ذكر الله سببين في جعل القوامة للرجل وهما: التفضيل والإنفاق الذي أوجبه الله عليه من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عز وجل عليه لها في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فالقوامة للرجل تقتضي إنفاقه على المرأة، إذ القوام هو الذي يقوم على شأن شيء ويليه ويصلحه، وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي.

والذي يلحظ قوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أن فعل الإنفاق جاء بصيغة الماضي، وذلك بالإشارة إلى أن الأمر مقرر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم، والرجال هم العائلون لنسائهم(4).

وقد راعى القرآن المرأة في شأن إيجاب النفقة على الزوج في الحالات جميعها في الوفاق وحين الفراق.

ونفقة الزوجة غير مقدرة، وعلى الزوج أن ينفق عليها بقدر كفايتها بالمعروف(5).

فعلى الزوج أن ينفق عليها ما يقوم بكفايتها بكل ما تحتاج إليه، مادامت الزوجية قائمة، والمرأة ملازمة للطاعة مؤدية لحقوق الزوجية، سواء كانت صحيحة أو مريضة.  مالم يوجد منها نشوز أو خروج عن الطاعة(6).

وبعد تقرير هذا الحق للمرأة تابع القرآن الرجل فيه كي لا يستأثر على شيء منه فنهاه عن كل عمل يضار به المرأة كي تفتدي منه ببعض صداقها.

قال تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ? وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ? فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى? أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ? أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا* وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى? بَعْضُكُمْ إِلَى? بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}(7).

{لَا تَعْضُلُوهُنَّ} أي: لاتضاروهن بالعشرة، لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقاً من حقوقها عليه أو شيئاً من ذلك على وجه القهر لها والإضرار.

{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} وهي الزنا والعصيان والنشوز وغير ذلك.

{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها.

{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى? أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} أي: فعسى أن يكون صبركم في إمساكهن مع الكراهية فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة.

لكن إن تعذر الإمساك، وكان لا بد من الفراق، فليس الإمساك بلازم، بل متى {أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} أي: تطليق زوجه، وتزوج أخرى، أي: فلا جناح عليكم في ذلك ولا حرج.

ولكن إذا {آتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ} أي: المفارقة {قِنْطَارًا} أي: مالاً كثيراً {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} بل وفروه لهن، ولا تمطلوا بهن.

ثم قال: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} فإن هذا لا يحل، ولو تحيلتم عليه بأنواع الحيل، فإن أثمه واضح، وقد بين الله تعالى حكمة ذلك في قوله {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى? بَعْضُكُمْ إِلَى? بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}(8).

قال القرطبي: (لما مضى في الآية المتقدمة حكم الفراق الذي سببه المرأة وأن للزوج أخذ المال منها عقب ذلك بذكر الفراق الذي سببه الزوج وبين أنه إذا أراد الطلاق من غير نشوز وسوء عشرة فليس له أن يطلب منها مالاً)(9).

وهكذا تكون هذه السورة قد راعت حق المرأة في شأن: إيجاب النفقة على الزوج في الحالات جميعها في الوفاق وحين الفراق.


 


(1) سورة النساء: 5

(2) تفسير ابن كثير 1/491.

(3) سورة النساء: 34.

(4) التحرير والتنوير لابن عاشور 5/38-39.

(5) مجموع الفتاوي لابن تيمية 34/83-85.

(6) فقه الأسرة عند الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية في الزواج وأثاره لمحمد أحمد الصالح: 2/643-644

(7) سورة النساء: 19-21.

(8) تفسير ابن كثير 1/507-508.

(9) تفسير القرطبي 5/99.



بحث عن بحث