رعاية النساء في ضوء سورة النساء  ( 5 - 15)

 

 

المطلب الرابع/ المساواة في القصاص والحدود:

لاشك أن أساس القصاص هو المساواة في الأنفس، وحيث إن الناس جميعاً قد خلقوا من نفس واحدة، وهم في الإنسانية سواء ذكرهم وأنثاهم كما ذكر في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }(1).

وهذه المساواة تشتمل بالإضافة إلى الأنفس، الأطراف حيث إن الاعتداء على تلك الأخيرة يكون بمثابة اعتداء على الأولى، وبذلك تكون نفس المرأة كنفس الرجل، فإذا قتل الرجل المرأة أو قتلت هي الأخيرة رجلاً، فلا ريب في قيام القصاص بينهما.

 

قال القرطبي – رحمه الله - : [وأجمع العلماء على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل](2).

وكذا الحال بالنسبة للحدود: قال تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }(3)

وقد كان الحكم في بداية الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة حبست في البيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت، ولهذا قال: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ}، فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك.

قال ابن عباس رضي الله عنه: (كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم)(4)، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم )(5).

وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً، والغامدية(6).

 

أما في الدية فدية المؤمنة لا خلاف بين الجميع أنها من النصف من دية الرجل(7).

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً }(8).

قال القرطبي: (واجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل)(9).

 

فإذا كان القتل عمداً، يستوجب القصاص من القاتل، فإنه يكون حينئذ مقابلة نفس إنسانية بنفس إنسانية، وهما متساويان في الإنسانية، لا تفضيل لرجل على امرأة في هذا لذا وجب قتل القاتل قصاصاً، سواء كان القاتل رجلاً أو امرأة، إذا اتحدا في الدين. وهو قول جمهور الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء.

أما في القتل الخطأ، وما في حكمه مما يستوجب الدية، فإن القياس يختلف، إذ المستحق هنا تعويض مالي، لا عن النفس الإنسانية التي أتلفت، ولكن عن الخسارة التي ستلحق بأهل القتيل، بسبب فقده، والمعلوم أن الرجل هو رب الأسرة وعائلها وكافلها وحاميها، أما المرأة فإن مكانها في الشريعة هو البيت وقد كفيت المئونة والنفقة(10).

 


(1) سورة النساء: 1

(2) تفسير القرطبي: 2/248.

القرطبي: هو أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي المفسر له كتب عدة منها: التفسير، والتذكار في فضل الأذكار توفي سنة 671هـ.

-انظر: شدرات الذهب: 5/335.

(3) سورة النساء: 15

(4) انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور لعبدالرحمن جلال الدين السيوطي: 2/455، طبعة دار الفكر.

(5) أخرجه مسلم، كتاب الحدود: باب حد الزنا من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، ص749.

(6) أخرجه مسلم، كتاب الحدود: باب حد الزنا من حديث بريدة عن أبيه رضي الله عنهما: 752-753.

ماعز بن مالك الأسلمي: معدودٌ في المدنيين، وكتب له رسول اللهصلى الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه، وهو الذي اعترف على نفسه بالزنا تائباً، وكان محصناً فرجم، روى عنه ابنه عبدالله بن ماعز حديثاً واحداً.

-انظر: الاستيعاب: 3/1345. ** والغامدية لم أقف على ترجمةٍ لها، رضي الله عنها.

(7) تفسير الطبري: 4/132.

(8) سورة النساء: 92.

(9) تفسير القرطبي 5/325.

(10) حقوق المرأة لمحمد عرفة: 163-165 – ط: 1398هـ، مطبعة المدني: المؤسسة السعودية بمصر.



بحث عن بحث