رعاية النساء في ضوء سورة النساء  (2 - 15)

أولاً: الرعاية الإنسانية والدينية

لقد كفل الله للمرأة الرعاية التامة من الناحية الإنسانية والدينية وتتمثل هذه الرعاية فيما يلي:

المطلب الأول/ حق الإنسانية الكاملة:

وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً  وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }(1)

قال الطبري رحمه الله: ( احذروا أيها الناس ربكم في أن تخالفوه فيما أمركم وفيما نهاكم فيحل بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به ).

ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد، وعرف عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة، وأن بعضهم من بعض، وإن حق بعضهم من بعض، وأن حق بعضهم على بعض واجب، وجوب حق الأخ على أخيه لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد، وأم واحدة.

وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض، وأن بعد التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى وعاطفاً بذلك بعضهم على بعض ليتناصفوا ولا يتظالموا وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له فقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، يعني من آدم(2).

وقال ابن كثير(3) - رحمه الله - : ( يقول تعالى أمر خلقه بتقواه وهي عبادته وحده لا شريك له ومنبهاً لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفسٍ واحدةٍ وهي آدم عليه السلام وخلق منها زوجها وهي حواء عليها السلام ).

وقوله عز وجل: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً }(4). أي: وذرأ منهما أي: من آدم وحواء رجالاً كثيراً ونساءً ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر)(5).

فالمرأة كالرجل في الإنسانية سواء بسواء، فالخلق من ذكر وأنثى، بل إن المرأة جزء من الرجل، وحواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمراً فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيراً)(6).

وقد كانت المرأة عند أهل الجاهلية تباع وتشترى، ولا يعتبر لها رأي: ولا ترث بل تورث، وليس لها حق التصرف، وكانت توأد وهي حية إلى غير ذلك من الصور غير الإنسانية، وهذا الأمر وهو إنسانية المرأة ما زال إلى عهدٍ قريبٍ مثاراً للجدل، ومن الغريب أن يعقد مؤتمر عام في إحدى الولايات في فرنسا سنة: 586م للبحث فيما إذا كانت المرأة تعد إنساناً أم غير إنسان؟! فقرروا اعتبارها إنساناً خلق لخدمة الرجل فحسب، أي: أنها بشر ولكن بأغلبية ضئيلة.

وكان القانون الإنجليزي منذ زمنٍ يبيح بيع الزوجات وكان ثمن الزوجة سنة: 1801م محدداً بمبلغ ستة بنسات، وهو مبلغ زهيدٌ جداً(7).

وذكرت مجلة حضارة الإسلام: أن إيطالياً باع زوجته على أقساط فلما امتنع المشتري عن سداد الأقساط قتله الزوج البائع(8).

ومما تقدم يتبين مدى تكريم الإسلام للمرأة ومراعاة إنسانيتها وأنها مخلوقة من عنصر الرجل نفسه ولم تكن مستقلة عنه في الخلق، ومنهما مجتمعان بث الله جميع الرجال والنساء، فالجنسان كلاهما يرجعان إلى أصل واحد، وعلى هذا الأساس ينظر الإسلام إلى جنس الرجال وجنس النساء بمنظار واحد، وهما في نظره عنصر واحد ليس لأحدهما من مقومات الإنسانية أكثر مما للآخر(9).

وما يحدث اليوم من استغلال للمرأة في الفساد والرذيلة، والدفع بها في مهاوي الفسق والفجور الوضيعة، لهو أكبر دليل على إنكار إنسانيتها التي كفلها لها الدين الإسلامي، وأثبتها القرآن الكريم والسنة النبوية.

 


(1) سورة النساء: 1.

(2) انظر: تفسير الطبري: 3/149.

الطبري: محمد بن يزيد الإمام العالم المجتهد أبو جعفر صاحب التصانيف البديعة ولد سنة 224هـ ومات سنة: 310 من مؤلفاته: التفسير، القراءات، وأخبار الأمم وغيرها.

-انظر: سير أعلام النبلاء: 4/267-282.

(3) ابن كثير: هو عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي ولد سنة 700 وتوفي سنة 774 ومن مصنفاته: البداية والنهاية والتفسير وغيرها.

-انظر: الشذرات: 6/231، لابن عماد الحنبلي دار الفكر.

(4) سورة النساء: 1

(5) تفسير ابن كثير: 1/487.

(6) أخرج مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم الحديث: 60، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ص: 626.

18 المرأة في التاريخ والشرائع لمحمد جميل ص: 62، طبعة بيروت: 1921م، الرجل والمرأة في الإسلام للحاج محمد وصفي: 146-147.

(7) حضارة الإسلام، السنة الثانية (1078) نقلاً عن كتاب الثقافة الإسلامية لشوكت عليان: 336.

(8) حضارة الإسلام، السنة الثانية (1078) نقلاً عن كتاب الثقافة الإسلامية لشوكت عليان: 336.

(9) المرأة المسلمة المعاصرة، أحمد بابطين: 56.



بحث عن بحث