حقها عليك / حقك عليه  (5-6)

 

 

إكرام الزوجة وتقديرها:

ويأخذ الإكرام صوراً متعددة ؛ فتارة يكون بالثناء الحسن عليها ، فعن عائشة -  رضي الله عنها- قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها ، واستغفار لها ، فذكرها يوماً ، فحملتني الغيرة ، فقلت: لقد عوَّضك الله من كبيرة السن ! قالت: فرأيته غضب غضباً أُسقطتُ في خَلَدي ، وقلت في نفسي: اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أَعُد أذكرها بسوء ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت ، قال:" كيف قلتِ؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، ورُزقت منها الولد، وحرمتموه مني " قالت: فغدا وراح عليَّ بها شهراً(1) .

 

وتارة بإكرام أهلها، وأهل ودها، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول عنه عائشة - رضي الله عنها- ( ما غِرتُ من امرأة ما غرت من خديجة ، من كثرة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها ، وما رأيتها قط ، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ، ثم يبعثها في صدائق خديجة )(2).

 

وتارة بأن يتحدث إليها، ويستمع إلى حديثها ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر ..........، فإن كنت مستيقظة حدّثني، وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة )(3). وهذا المصطفى عليه الصلاة والسلام  ينصت لحديث عائشة الطويل عن إحدى عشر نسوة اجتمعن في الجاهلية، فتعاهدن، وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً ، فلما قضت حديثها ، قال لها ملاطفاً ( وأنا لك كأبي زرع لأم زرع )(4) .

وتارة بأن يحترم رأيها ، ويأخذ بشوراها، إذا أشارت عليه برأي صواب ؛ فقد أخذ صلى الله عليه وسلم برأي أم سلمة يوم الحديبية حين تأخر الصحابة - رضي الله عنهم- عن تنفيذ أمره  صلى الله عليه وسلم (قوموا فانحروا ثم احلقوا)، فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يانبي الله، أتحب ذلك؟ اخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك . فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل غماً(5).

 

وكذلك يقدِّر حال زوجته ؛ فمن الزوجات من تكون صغيرة السن، تحب اللهو واللعب، ولا تحسن الطبخ وعمل البيت ، عن عائشة، قالت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه ، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا التي أسأم .فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو(6).

وفي حادثة الإفك سأل النبي صلى الله عليه وسلم جارية عن عائشة - رضي الله عنها- :" هل رأيت من شيء يريبك "؟ قالت: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمراً أغمصه  عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فيأتي الداجن، فيأكله(7)، وما كان عليه السلام يعتب عليها في شيء من ذلك .

 

ومنهن من تكون ذات ولد من غيره، تحتاج إلى رعاية شؤونه ، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: قالت أم سلمة: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمني، وبيننا حجاب، فخطبني، فقلت: وما تريد إلي ؟ ما أقول هذا إلا رغبة لك عن نفسي ; إني امرأة قد أدبر من سني، وإني أم أيتام، وأنا شديدة الغيرة، وأنت يا رسول الله تجمع النساء.

قال: " أما الغيرة فيذهبها الله، وأما السن فأنا أكبر منك، وأما أيتامك فعلى الله وعلى رسوله " فأذنت، فتزوجني(8)، فكانوا في حجره صلى الله عليه وسلم .

 

ومنهن من تكون غريبة عن قومه، فيواسيها ويؤانسها ، فعن أنس قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال:" ما يبكيك "؟ فقالت: قالت لي حفصة إني بنت يهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك "؟ ثم قال: اتقي الله يا حفصة(9).

 

وأخيراً ( خيركم لأهله ).

 

 


 


(1) - انظر : الإصابة 7/604 ، وسير أعلام النبلاء 2/112 .

(2) - أخرجه البخاري باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم 7/107 .

(3) - أخرجه البخاري باب الضجعة على الشق الأيمن بعد الفجر ح1108-1/389 .

(4) - أخرجه البخاري باب حسن المعاشرة مع الأهل ح 4893-5/1988 ، ومسلم ذكر حديث أم زرع ح2448-4/1896 .

(5) - أخرج القصة البخاري باب الشروط في الجهاد ح2581-2/974 .

(6) - أخرجه البخاري ك النكاح باب114 نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة ح5236-9/336 ، ومسلم ك العيدين باب الرخصة في اللعب يوم العيد 6/183 .

(7) - انظر : سير أعلام النبلاء 2/156 ، زاد المعاد 3/268 .

(8) - انظر : سير أعلام النبلاء 2/205 .

(9) - أخرجه أحمد 3/135 .

 

 

 



بحث عن بحث