حقك عليه / حقها عليك

2- النفقة وهي تشمل الطعام والشراب ، والملبس ، والمسكن وسائر ما تحتاج إليه الزوجة .

وقد أخبر عز وجل أن الرجال هم المنفقون على النساء ، ولذلك كانت لهم القوامة عليهن بسبب الإنفاق عليهن قال تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )(1).

قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله: [ يعني بقوله جل ثناؤه: "الرجال قوّامون على النساء"، الرجال أهل قيام على نسائهم ، في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم "بما فضّل الله بعضهم على بعض"، يعني: بما فضّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنّ مهورهن، وإنفاقهم عليهنّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنهنّ. وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهنّ، ولذلك صارُوا قوّامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن ](2).

وقد دلّ على وجوب النفقة . قوله تعالى ( لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قُدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً )(3).

وقوله سبحانه ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها )(4).

 إلا أن هذه النفقة تكون بقدر السعة ، قال الإمام أبي جعفر الطبري : [ يعني تعالى ذكره بقوله:"وعلى المولود له"، وعلى آباء الصبيان للمراضع"رزقهن"، يعني: رزق والدتهن. ويعني بـ"الرزق": ما يقوتهن من طعام، وما لا بد لهن من غذاء ومطعم .

 

و"كسوتهن"، ويعني: بـ"الكسوة": الملبس.

 ويعني بقوله:"بالمعروف"، بما يجب لمثلها على مثله، إذ كان الله تعالى ذكره قد علم تفاوت أحوال خلقه بالغنى والفقر، وأن منهم الموسع والمقتر وبين ذلك. فأمر كلا أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته، كما قال تعالى ذكره:( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا ) ، وكما القول في تأويل قوله تعالى : ( لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا )  يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحمل نفس من الأمور إلا ما لا يضيق عليها، ولا يتعذر عليها وجوده إذا أرادت. وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك: لا يوجب الله على الرجال من نفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم، إلا ما أطاقوه ووجدوا إليه السبيل، كما قال تعالى ذكره:( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) ](5)(6).

 وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع ( اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن ، وكسوتهن بالمعروف )(7) .

 وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : ( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ - أَوِ اكْتَسَبْتَ - وَلاَ تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلاَ تُقَبِّحْ وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِى الْبَيْتِ )(8).

 وإذا كان الرجل بخيلاً ، أو مقصراً في النفقة لأي سبب كان مع قدرته عليها ، جاز للمرأة أن تأخذ من ماله قدر حاجتها وولدها بدون إذنه ، لأن في منعها النفقة مضارة لها ولولدها وتضييع لهما ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : إن هند بنت عُتبة قالت : يا رسول الله ! إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي ، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم . فقال ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )(9)

 قال ابن قدامة رحمه الله :[ فيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها ، وأن ذلك مُقدر بكفايتها ، وأن نفقة ولدها عليه دونها بقدر كفايتهم ، وأن ذلك بالمعروف ، وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يعطها إياه ](10).

 والرجل مؤاخذ على تضييع زوجته وإحواجها ومحاسب عليه كما في حديث أنس رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه ، أحَفِظ ذلك أم ضيّع ، حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته )(11) .

 وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ )(12)، وهذا حث على النفقة على العيال – الزوجة والأولاد وغيرهم ممن يعول– والتحذير من التقصير فيها (13).

وتسقط النفقة إذا نشزت المرأة وهو معصيتها زوجها فيما يجب له عليها من حقوق النكاح فمتى ظهر منها إمارات النشوز مثل أن يدعوها فلا تجيبه أو تجيبه مكرهة متبرمة سقطت نفقتها (14)، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه المتقدم (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) .


(1) -سورة النساء آية 34 .

(2) -تفسير الطبري 8/290 .

(3) - سورة الطلاق آية 7 .

(4) - سورة البقرة آية 233 .

(5) -تفسير الإمام الطبري 5/43-45 .

(6) -أخرجه أبو داود ك النكاح باب في حق المرأة على زوجها ح2142-2/244 ، وابن ماجه

(7) - أخرجه مسلم ك الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 8/183 مع شرح النووي .

(8) -أخرجه أبو داود ك النكاح باب في حق المرأة على زوجها ح2144-2/210 وقال محققه الألباني: حسن صحيح ، وأخرجه النسائي باب تحريم ضرب الوجه في الأدب في الكبرى باب ح9171-5/373

(9) - أخرجه البخاري ك المظالم باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه..ح5049-5/2052 ، ومسلم ك الأقضية باب قضية هند .

(10) - المغني 7/563 .

(11) - أخرجه النسائي في السنن الكبرى باب مسألة كل راع عما استرعى ح9174-5/374 ، وأخرجه ابن حبان باب في الخلافة والإمارة ح4492-10/345 دون الجملة الأخيرة ، قال محققه شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرطهما ، صححه الحافظ ابن حجر في الفتح 13/113 ، وكذ الألباني في السلسلة الصحيحة ح 1636-4/179 .

(12) - أخرجه مسلم باب فضل النفقة على العيال ح2358-3/78 .

(13) - انظر فيض القدير 5/6 .

(14) - انظر الكافي في فقه ابن حنبل 3/93



بحث عن بحث