حقه عليـــــــك/حقك عليـــــها(6)

6– خدمته وتدبير المنزل وتهيئة أسباب المعيشة له .

تظل المرأة طوال حياتها تحلم ببيت هنيء تكون الملكة فيه ، بينما لا نجد البيت الهدف الأول عند الرجل .

والمرأة بطبعها ميّالة للعناية بمملكتها ، والاستمتاع بتزيينه وتجميله ، وكونها أكثر من يقضي فيه الوقت جعلها أكثر اطلاعاً على احتياجاته ، واضطلاعاً بمسؤولياته ، وهي الأنسب لتولي مهامه .

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ( والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ) .

وليس في هذا انتقاص للمرأة ولا تقليل من شأنها ؛ فكل من الزوجين كُلّف ما يطيق ، وما يبرع فيه ؛ فلئن كان الزوج يمتدح في قدرته على الاكتساب والصبر ساعات طوال في العمل خارج المنزل ، كذلك تمتدح المرأة في قدرتها على القيام بشئون بيتها ، والصبر الساعات الطوال على رعاية من فيه . 

وكما أن الرجل لا يلام على عجزه عن الاعتناء بالبيت وبالصغار ، بينما يُلام على تقصيره في النفقة ، كذلك لا تلام المرأة إن عجزت عن الاكتساب ، بينما تُلام على تقصيرها في رعاية أسرتها  .

وتحديد الأدوار وتقسيم الوظائف بين الزوجين أمرٌ له أهميته مع التسامح والتعاون ما أمكن(1) ، ولهذا كان من واجب  الأولياء تذكير الزوجين في حداثة زواجهما بما ينبغي على كل منهما ، قالت أم حميد (عن نساء المدينة إذا أردن أن يبنين بإمرأة على زوجها بدأن بعائشة فأدخلنها عليها فتضع يدها على رأسها تدعو لها وتأمرها بتقوى الله وحق الزوج )(2) .

ومما يدل على لزوم ذلك في حق المرأة ما يلي :

ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه  : أن فاطمة عليها السلام أتت النبي صلى الله عليه و سلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى وبلغه أنه جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة قال ( فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال ( على مكانكما ) . فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال ( ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم )(3)

قال ابن حجر : [ ويستفاد من قوله ألا أدلكما على خير مما سألتما أن الذي يلازم ذكر الله يُعطى قوة أعظم من القوة التي يعملها له الخادم أو تسهل الأمور عليه بحيث يكون تعاطيه أموره أسهل من تعاطي الخادم لها هكذا استنبطه بعضهم من الحديث والذي يظهر أن المراد أن نفع التسبيح مختص بالدار الآخرة ونفع الخادم مختص بالدار الدنيا والآخرة خير وأبقى ](4)

 وقال أيضاً :[قال الطبري : يؤخذ منه أن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفاً أن مثلها يلي ذلك بنفسه ، ووجه الأخذ أن فاطمة لما سألت أباها صلى الله عليه و سلم الخادم لم يأمر زوجها بأن يكفيها ذلك إما بإخدامها خادماً ، أو باستئجار من يقوم بذلك ، أو بتعاطى ذلك بنفسه ، ولو كانت كفاية ذلك إلى علي لآمره به كما أمره أن يسوق إليها صداقها قبل الدخول مع أن سوق الصداق ليس بواجب إذا رضيت المرأة أن تؤخره فكيف يأمره بما ليس بواجب عليه ويترك أن يأمره بالواجب ](5) 

 

قال ابن القيم رحمه الله في الرد على مَن قال لا تلزم المرأة خدمة زوجها: [ وقولهم ( إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعاً وإحساناً )  يرده أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة ، فلم يقل لعلي رضي الله عنه لا خدمة عليها ، وإنما هي عليك ) وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحداً ، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه ، لم يقل له : لا خدمة عليها ، وأن هذا ظلم لها ، بل أقرَّه على استخدامها ، وأقرّ سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية ، هذا أمر لا ريب فيه . ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة ، وفقيرة وغنية ، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها ، وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة فلم يُشْكها ](6)

 


(1) عن الأسود بن يزيد : سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يصنع في البيت ؟ قالت كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الآذان خرج ) أخرجه البخاري ك النفقات باب خدمة الرجل في أهله ح4805 .

(2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ح17416- 4/305 .

(3) أخرجه البخاري ك النفقات باب عمل المرأة في بيت زوجها ح5046 ومسلم ك الذكر والدعاء باب التسبيح أول النهار وعند النوم

(4) فتح الباري 9/506 قلت: ولا مانع من أن يكون المقصود كل ذلك ؛ في الدنيا والآخرة ، فمن حافظ على هذا الذكر وجد هذا الأثر .

(5) فتح الباري 9/506،507 .

(6) زاد المعاد 5/188 .



بحث عن بحث