خامساً: الجدية:

     إن رمضان يساعد على تهذيب النفس وضبطها على القيم والسلوك والعادات الحسنة، التي تسمو بنفس الإنسان وترتقي به في مدارج الكمال.

     فالجدية عادة من العادات الحسنة التي نتعلمها في مدرسة رمضان، ونحن نستطيع أن نغرس هذه العادة المهمة في أخلاقيات أطفالنا في هذا الشهر المبارك، بأن نشعر الطفل بالقول والقدوة أنه لا مكان للكسل والخمول في هذا الشهر، وأن الأوقات فيه غالية ثمينة لا تعوض، ولا ينبغي أن تضيع  فيما لا فائدة له فيه.

   فيعايش من خلا القدوة والديه، وهما ينتقلان من طاعة إلى طاعة، فمن صيام إلى صلاة إلى قراءة قرآن إلى تهجد وذكر.

   بل لعله لمس ذلك قبل رمضان، عندما يرى حرص والده على إنجاز كثيرمن أعماله حتى لا ينشغل في رمضان، ولاحظ مبادرة والدته إلى إنهاء جميع مستلزمات العيد حتى لا تنشغل عن الطاعة في رمضان بالطفق في الأسواق، إنها همة عالية واستعداد عظيم من هذه الأسرة.

   وحتى يتجسد للطفل أهمية كل لحظة من رمضان، تربطه الأم بفضل ليلة القدر، فتقول: أي بنية هل سمعت حديثاً عن ليلة القدر أواقرأ لي سورة القدر؟! فعندما تقرأها مرتلة، تقول وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضلها فقال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)(1) متفق عليه.

   سمعت قول الله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) إنها ليلة مباركة والتي هي خير من ألف شهر، أي ما يزيد على ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر في الفضل والبركة في العمر، أي: العمل فيها خير من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر(2)، أي بنية هل لعاقل يرى ذلك الفضل فيضيعه ولا يلقي له بالاً، إنها عشر ليال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتحرى تلك الليلة فيها، فهل المؤمن الذي يحب لقاء ربه تهون عليه تلك الليلة، وماذا تساوي تلك الليالي في ميزان السنة كلها، لا بد لنا أن نشمر فيها حق التشمير فلا نضيع لحظة من لحظاتها إلا في عمل صالح.

 

سادساً: النظام:

   يتعود الطفل والصائم عموماً النظام والطاعة والالتزام، ويتربى على ذلك في شأنه كله من خلال مدرسة رمضان، لأنه يعلم أن العبادات تأتي في أوقات محددة، حيث يخضع فيها لنظم ثابتة، فلا تصح العبادة إذا أخل المؤمن بنظامها.

   فالصوم في شهر رمضان يبدأ برؤية الهلال وينتهي برؤيته، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً).

   والمسلم في رمضان يأكل بنظام، وفي وقت محدد فلا يبدأ إفطاره  إلا بعد أذان المغرب، ويخُل بصومه إن أفطر قبل الأذان ولو بلحظات، ثم هو يمسك مع أذان الفجر، ولا يصح صومه لو أكل بعد الأذان ولو بلحظات، وهكذا المجتمع الإسلامي في رمضان مجتمع يتحلى فيه النظام بأروع مظاهره، إنه نظام لا مثيل له في أمة من الأمم. المسلمون في مدينة واحدة يفطرون في لحظة واحدة مع الأذان، ما أعظمه من مظهر ونظام، نظام يستوي فيه الكبير والصغير، والعالم والجاهل، والحاكم والرعية، والغني والفقير، لا تتمايز فيه طبقة عن طبقة ولا فرد عن فرد.

نفعنا الله وإياكم وذرياتنا بمدرسة رمضان

 


(1)      صححه البخاري (2/672)،ومسلم ح (760) من حديث أبو هريرة رضي الله عنه.
(2)      تفسير ابن كثير (4/ 532).



بحث عن بحث