ثالثا: حب العبادات:

      إن شهر رمضان شهر الطاعات والقربات بأنواعها، فهو شهر الصيام والقيام، وهو شهر الجود والإحسان، وشهر الذكر وقراءة القرآن....

       ففي شهر رمضان تظهر مظاهر هذه العبادات ظاهرة جلية، لا سيما أمام الطفل.

       فبينما كان الطفل يرى والده يصلي الصلوات الخمس في المسجد، إذا هو يزداد ارتياده له لأجل صلاة التراويح والقيام، فيشد ناظر الصغير تلك الصلاة التي يتنافس فيها الجميع الصغار والكبار، ويعمد البعض إلى بعض المساجد التي أئمتها من مشاهير القراء مصطحباً معه أسرته، فيشاهد الطفل روعة اجتماع المسلمين وخشوعهم وهم يستمعون إلى آيات القرآن العظيم، وبكاؤهم وهم يتأملون تلك الآيات، وهم يأمنون على دعاء القنوت، فلا يلبث إلا أن تنعكس تلك الصورة الرائعة في داخل نفس ذلك الطفل فتحرك فيه الكثير من المعاني الإيمانية السامية.

  

 

    ثم لك أن تراه يشهد روعة هؤلاء المصلين قبيل كل صلاة وألسنتهم تلهج بقراءة القرآن بأصوات شجية، فإذا رجع إلى منزله رأى نفسه المشهد من والديه وإخوانه الكبار، فإذا به ينافسهم ويتمنى ختم القرآن، لا سيما إن وجد بيئة تساعده على ذلك.

   كأن يتعاهد الأب والأم بالتحفيز المادي والمعنوي، فتارة يذكران له أجر قارئ القرآن (من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (آلم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)(1)، هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم يا ترى ستحصل من الحسنات في هذا الشهر؟!

   وتارة يعدانه بهدية في نهاية الشهر إن هو ختم القرآن، أو ختم أجزاءً منه بحسب عمره، وهكذا ينمو حب قراءة القرآن عنده.

    وقل مثل ذلك في طاعات وقربات كثيرة يمكن أن نحبب أطفالنا لها في هذا الشهر، كتحبيبه للصدقة، فهو يرى تنافس الناس في تفطير الصائم، وآخرين في بذل الأموال، ويعجبه ذلك المشهد الرائع الذي يراه قبيل أذان المغرب في ساحة المسجد، فالإمام والمؤذن إلى عدد كبير من جماعة المسجد يشاركون في إعداد سفرة الإفطار، إنه مشروع تفطير الصائم في حيهم، فإذا بهذا الصغير يطلب من أمه أن تصنع له صنفاً من الطعام يشارك به، فتلبي رغبته، وتستجيب له، فتجده من الغد فخوراً فرحاً وهو يحمل بين يديه ذلك الطعام الذي صنعته أمه بيديها فهو يمشي مختال الخطى، ولا تنسى حينها الأم أن تهمس في أذنه: هنيئاً لك بني قد شاركت في تفطير الصائم، أتعلم مالك من الأجر.

   اسمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)(2).

  

   أن تحثه على الصدقة من مصروفه الخاص، وتذكره بحال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان: (كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة)(3)كما أخبرنا عنه الصحابي الجليل ابن عباس - رضي الله عنه -.

 

رابعاً: الترابط الأسري: 

  فإحساس الطفل بأنه يعيش الأجواء الاجتماعية المرافقة لرمضان مع أسرته ومجتمعه، يعكس نفسية إيجابية بداخله، فهو يلتقي معهم على سفرة واحدة ينتظرون الأذان، فيتبادلون خلال ذلك الأحاديث الأسرية الطيبة العبقة، والتي قد تكون مختفية في حياة الأسرة في سائر الأيام ، لاختلاف ظروف العمل للوالد مع نظام الدراسة للأبناء أو غير ذلك.

   أما في رمضان يتحقق لكثير من الأسرالاجتماع على مائدة الإفطار وكذا السحور، وهذا مما يحقق للطفل استقراراً نفسياً وذهنياً وعقلياً.

  وهنا نلفت انتباه الأم إلى مراعاة هذا الأمر والاستعداد المبكر لإعداد مائدة الإفطار، وتذكير الأطفال ببعض الآداب في ذلك الوقت لا سيما الدعاء (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد)(4) كما أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال أيضاً: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي، لأنصرنك ولو بعد حين)(5).

  فلنجتهد يا أبنائي في الدعاء حتى يؤذن المؤذن.

   وعلى الأم أن تحذر كل الحذر من تأخيرإعداد مائدة الإفطار كما تفعله البعض، مما يحدث الصخب والضوضاء في ذلك الوقت المبارك، فيفوت على الأسرة ذلك الجو الروحاني الرمضاني.

   جعل الله بيوتنا مطمئنة، وأنزل علينا الرفق، وإلى لقاء ثالث بإذن الله.

 

 


(1)      أخرجه الترمذي في جامعه (5/ 175) وقال: (حسن صحيح غريب) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)     
أخرجه الترمذي وقال: (حسن صحيح) من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.
(3)     
صححه البخاري (1/ 6) واللفظ له، ومسلم ح (2308).
(4)     
أخرجه ابن ماجه في سننه (1/557) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(5)     
أخرجه الترمذي في جامعه ح (3598) وقال: (حديث حسن).



بحث عن بحث