إشراقات من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع عائشة

    عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن ، فقال للناس : تقدموا فتقدموا ، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسابقته ، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : تقدموا فتقدموا ، ثم قال لي : تعالي أسابقك فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول : هذه بتلك )) (1) .

    فما أعظم الخُلق ، وما أطيب التعامل ، وما أجمل الأدب ، النبي المصطفى ، والهادي المجتبى ، مبلغ الوحي وصاحب الرسالة ، وهادي الأمة ، ومع كل ما يحمل من هم الدعوة ، وإقامة الجهاد ، ونشر التوحيد ، ومحاربة الشرك وتعليم الأمة ، مع ذلك كله يجعل جزءاً من وقته لملاطفة نسائه ، فيقيم هذه المسابقة لا ليزجي بها الوقت ويقضي بها الفراغ ، بل ليؤدي واجب الزوجية ، ويعمق روابط المحبة ، ويلبي رغبات النفوس ، ويراعي ميول الفطرة ، في جو من الملاطفة والمداعبة والمضاحكة والممازحة ) (2) .

    وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه ، فيُسربهن إلي فيلعبن معي )) (3) .

    وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : ما هذا ياعائشة ؟ قالت : بناتي . ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس ، قال : ما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان ، قال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟ قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه )) (4) .

    هكذا كان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بزوجه ، ومراعاته لمشاعرها وحرصه عليها ، وحسن التعامل معهن والصبر عليها ، ومراعاة هواها وموافقتها في غير محظور ، وهذا إكرام بالمرأة ليس له مثيل ، ورفق نبوي فريد .

    قال ابن حجر : ( استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعَب من أجل لعب البنات بهن ، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور ، وبه جزم القاضي عياض ونقله عن الجمهور ، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن ) (5) .

    ويجوز اتخاذ لعب الصبيان ولكن شريطة أن تكون من جنس لُعب عائشة رضي الله عنها وهي المصنوعة من العهن والرقاع والخِرَق ونحو ذلك (6) .

يتبع في العدد القادم


(1) -  رواه أحمد وأبو داود .

(2) -  انظر : مواقف مزح بها النبي صلى الله عليه وسلم (66-67) .

(3) -  رواه البخاري 

(4) -  رواه أبو داود وقال الألباني : رواه النسائي في عشرة النساء بسند صحيح .

(5) -  الفتح (10/527) .

(6) -  انظر : أحكام التصوير في الفقه الإسلامي ص (254) .

 



بحث عن بحث