هكذا كان بيته صلى الله عليه وسلم في رمضـــان

كان السرور يعم طيبة و بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بدخول شهر رمضان ، فهاهو رسول الله يبشر أهله وأصحابه بدخول الشهر بقوله ( أتاكم رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتُغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حُرم خيرها فقد حُرم )(1).

فتتهيأ بيوته وأصحابه للاجتهاد في هذا الشهر ، شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن ، ويظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشحذ هممهم ويشدّ عزيمتهم لاغتنام دقائق هذا الشهر الغالية حتى ينقضي ، حرصاً عليهم وخشية أن يفوتهم شيء من الخير !

فهاهو عليه الصلاة والسلام يحثّ أصحابه وأهله على الخير والإكثار من أعمال البر في هذا الشهر المبارك ، فقال لهم في شأن الصيام ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله عز وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي ، للصائم فرحتان : فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك )(2)

وقال لهم مرشداً إلى صيانة صيامهم وحفظ مقاصده ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه )(3)

وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام ( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر )(4)

وقال ( الصيام جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم –مرتين- )(5)

وبذلك أدرك الصحابة رضي الله عنهم مقاصد الصيام والغاية منه – ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) - فكان جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول : [ إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم ، ودع أذى الخادم –الجار- وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء ](6)

وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول :[ الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه ، فمن استطاع منكم أن يجيء غداً بصومه مرقعاً فليفعل ](7)

وقال أبو ذر رضي الله عنه :[ إذا صمت فتحفّظ ما استطعت ] (8).

وقال لهم صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة والحفاظ على إقامتها بخشوع وطمأنينة ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال ( اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان ، فاتخذ له فيه بيت من سعف ، قال : فأخرج رأسه ذات يوم ، فقال : إن المصلي يناجي ربه عز وجل ؛ فلينظر أحدكم بما يناجي ربه ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة )(9).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة ، فيقول : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )(10) .

وكان عليه الصلاة والسلام يتحرّى ليلة القدر ليدلّ أمته عليها فيقوموها عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ، ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أُتيت فقيل لي : إنها في العشر الأواخر ؛ فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف . فاعتكف الناس معه )(11)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ، ويقول تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان )(12)

وكان يحثهم على الإكثار من الدعاء فقال ( إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة ، وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة )(13)

وقال لهم في شأن العمرة ( عمرة في رمضان تقضي حجة معي )(14).

وكان عليه الصلاة والسلام قدوة لهم في ذلك كله.

   فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت - حين سئلت : كيف كانت صلاة رسول الله في رمضان ؟ - ( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ؛ يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاً )(15)

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة )(16).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً )(17)

 وكان عليه الصلاة والسلام حريصاً على أهله يعلمهم الخير ويحثهم عليه ، فلا يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه ، فعن زينب ابنة أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي من الشهر عشرة أيام لم يذر أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه )(18)

وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين فرض الصيام دون الحادية عشرة وكانت تقوم معه الليل وكذلك بقية أزواجه ، فعنها رضي الله عنها أنها قالت ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله )(19)

وعن علي رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان )(20)

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : ( صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا ، فلم كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل ، فقلت : يا رسول الله ! لو نفلتنا قيام هذه الليلة ؟ قال : فقال : ( إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة ، قال : فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس ، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ، قال : قلت : وما الفلاح ؟ قال : السحور ، ثم لم يقم بقية الشهر )(21)

وكذلك تعتكف على صغر سنها وكذا غيرها من أزواجه عليه الصلاة والسلام ، فعنها رضي الله عنها أنها قالت ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته عائشة فأذن لها ، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت ...)(22) .

وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم ، فربما وضعت الطست تحتها من الدم )(23).

بل حرصاً منها على إدراك ليلة القدر سألته رضي الله عنها : يا رسول الله ! أ رأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر.. ما أقول فيها ؟ قال قولي ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني ) .

وقد بلغ من حرص أهله عليه الصلاة والسلام على القيام إيقاظهم له بالليل لصلاة القيام ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أُريت ليلة القدر ، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الغوابر )(24)

وقد استقر في أذهان أهله وأصحابه أن هذا الشهر هو شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن ، لا سيما وهم يرون حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التعبد فيه وبعده عن التكلف في الطعام والشراب اغتناماً للوقت وتوفيراً للجهد .

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فتميرات ، فإن لم تكن تميرات حسا حَسَوات من ماء )(25).

وعن أنس رضي الله عنه قال ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط صلى المغرب حتى يفطر ، ولو على شربة ماء )(26)

وقال أيضاً ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذلك عند السحور – يا أنس إني أريد الصيام ؛ أطعمني شيئاً ! فأتيته بتمر وإناء فيه ماء وذلك بعدما أذن بلال )(27).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال ( نعم سحور المؤمن التمر )(28)

فهلا اتبعنا هدي نبينا صلى الله عليه وسلم واغتنمنا شهرنا في الطاعات حتى نفوز بأعلى الجنات

د. إلهام بدر الجابري


(1)النسائي 2106

(2) مسلم 1151

(3) البخاري 6057

(4) أحمد 8856

(5) البخاري 1894

(6) ابن أبي شيبة 8880

(7) شعب الإيمان للبيهقي3644

(8)فضائل الأوقات للبيهقي64

(9) أحمد5349

(10) مسلم759

(11) مسلم 1167

(12) البخاري2020

(13) صحيح الترغيب والترهيب1002وعزاه للبزار.

(14) البخاري 1777مسلم2289

(15) البخاري2013

(16) البخاري3220

(17) البخاري1903

(18) النسائي1364

(19) البخاري2024

(20) الترمذي795

(21) أبو داود1375

(22) البخاري 2045

(23) البخاري309

(24) مسلم1166

(25) ترمذي 696وهو حديث صحيح.

(26) ابن حبان3504

(27) النسائي2167وهو حديث صحيح.

(28) أبو داود2345



بحث عن بحث