الأمور التي تترتب على الإيلاء (5-5)

 

يترتب عليه : أمران هما :

الأمر الأول : لزوم الكفارة أو الجزاء المعلق إذا حنث . فوعد المغفرة بسبب

الفيء الذي هو مثل التوبة لا ينافي إلزام الكفارة لأنه حكم دنيوي وذاك أخروي .

 

الأمر الثاني : إذا انقضت المدة ولم يرجع ويفيء فالعلماء على قولين :

 

القول الأول : وقوع طلقة بائنة بمجرد انقضاء المدة وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه  الله . واستدلوا بما يلي :

-بقراءة ابن مسعود صلى الله عليه وسلم  للآية (فإن فاءوا فيهن) ، وقالوا : فإضافة الفيئة إلى المدة تدل على استحقاق الفيئة فيها، وهذه القراءة إما أن تُجرى مجرى خبر الواحد، فتوجب العمل، وإن لم تُوجب كونها مِن القرآن، وإما أن تكون قرآناً نسخ لفظه، وبقى حكمه لا يجوز فيها غير هذا البتة.

-لأنه ظلمها بمنع حقها فجازاه الشرع بزوال نعمة النكاح عند مضي هذه المدة .

-ولأنه حدد هذه المدة للتخلص من الظلم ولا يكون بالرجعي لأنه له أن يردها إلى عصمته ويعيد الإيلاء فتعيّن البائن لتملك نفسها وتزول سلطته عنها جزاء لظلمه .

-أن الله عز وجل جعل التربص في الإيلاء أربعة أشهر كما جعل في عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً وفي عدة الطلاق ثلاثة قروء فلا تربص بعدها .

-ولأنه كان طلاقاً في الجاهلية فحكم الشرع بتأجيله إلى انقضاء المدة .

-أن الله سبحانه جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر، فلو كانت الفيئةُ بعدها، لزادت على مدة النص، وذلك غيرُ جائز.

 

القول الثاني : يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء فإن أبى الفيء وأبى الطلاق فإن القاضي يطلقها طلقة رجعية لأنه منع حقها في الجماع فينوب القاضي منابه في التسريح كما في الجب والعنة . وإن قال أنا أفيء لم يعجل عليه بالطلاق واختبره القاضي  مرة وثانية فإن تبيّن كذبه طلق عليه . وهذا مذهب الثلاثة ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وعن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم   كلهم يقول بوقف المولي .

 

 

قال الجمهور: لنا مِن آية الإيلاء عشرة أدلة ، نذكر أهمها :

 

أحدها: أنه أضاف مدة الإيلاء إلى الأزواج، وجعلَ لهم  شيئاً، وعليهم شيئين، فالذي لهم تربُّصُ المدة المذكورة، والذي عليهم إما الفيئةُ وإما الطلاقُ، والقول بأن الطلاق يقع بائناً بمجرد انقضاء المدة خلاف ظاهر النص ؛ فليس عليهم عندئذ إلا الفيئة في المدة وأما الطلاق فليس عليهم، بل ولا إليهم، وإنما هو إليه سبحانه عند انقضاء المدة، فيُحكم بطلاقها عقيب انقضاء المدة شاء أو أبى .

الدليل الثاني: قوله: {فَإنْ فَاءُوا فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، فذكر الفيئةَ بعد المدة بفاء التعقيب، وهذا يقتضى أن يكونَ بعدَ المدة، ونظيرُه قولُه سبحانه: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(1) وهذا بعدَ الطلاق قطعاً .

الدليل الثالث: قوله: {وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ}(2)، وإنما العزم ما عزم العازمُ على فعله، والعزمُ هو إرادة جازمة لفعل المعزوم عليه أو تركه، وإيقاع الطلاقَ بمجرد مضيِّ المدة دون اعتبار عزمه مخالف للآية .

الدليل الرابع: أن الله سبحانه خيَّره في الآية بين أمرين: الفيئةِ أو الطلاقِ، والتخييرُ بين أمرين لا يكون إلا في حالة واحدة كالكفارات، ولو كان في حالتين، لكانتا ترتيباً لا تخييراً، وإذا تقرر هذا، فالقول بأن الفيئة في نفس المدة، وعزمُ الطلاق بانقضاء المدة، غير صحيح ؛ إذ لم يقع التخييرُ في حالة واحدة .

الدليل الخامس: أنه سبحانه قال :{وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. فاقتضى أن يكون الطلاقُ قولاً يُسمع، ليحسن ختم الآية بصفة السمع.

الدليل السادس: أنه لو قال لغريمه: لك أجلُ أربعة أشهر، فإن وفّيتني قبلتُ منك، وإن لم تُوفني حبستُك، كان مقتضاه أن الوفاء والحبس بعد المدة لا فيها، ولا يَعْقِلُ المخاطبُ غيرَ هذا.

-قالوا: ولأنها يمين بالله تعالى توجب الكفارةَ. فلم يقع بها الطلاق كسائر الأيمان .

-ولأنها مدة قدّرها الشرعُ، لم تتقدمها الفرقة، فلا يقع بها بينونة، كأجل العنِّين

-ولأنه لفظ لا يَصِحُّ أن يقع به الطلاق المعجَّل، فلم يقع به المؤجَّلُ كالظهار.

-قالوا: ولأن الطلاقَ إنما يقع بالصريح والكناية، وليس الإيلاء واحداً منهما، إذ لو كان صريحاً، لوقع معجَّلاً إن أطلقه، أو إلى أجل مسمَّى إن قيَّده، ولو كان كنايةٍ، لرجع فيه إلى نيته .

قالوا: وأما قراءةُ ابن مسعود، فغايتُها أن تدُلَّ على جواز الفيئة في مدة التربُّص، لا على استحقاقِ المطالبة بها في المدة، وهذا حقٌّ لا ننكِرُه.

وأما قولُكم: إنه لو كانت الفيئة بعد المدة، لزادت على أربعة أشهر، فليس بصحيح، لأن الأربعة أشهر مدة لزمن الصبرِ الذي لا يستحِقُّ فيه المطالبة، فبمجرد انقضائها يستحِقُّ عليه الحقُّ، فلها أن تعجِّل المطالبة به. وإمَّا أن تُنْظِرَه، وهذا كسائِرِ الحقوق المعلَّقة بآجال معدودة، إنما تُستحق عند انقضاء آجالها، ولا يُقال: إن ذلك يستلزِمُ الزيادةَ على الأجل، فكذا أجلُ الإيلاء سواء.

 

 

1 -سورة البقرة آية 229 .

2-سورة البقرة آية 227 .

 

 

 

 

 

 



 

 



بحث عن بحث